شرح حديث: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ...»
نص الحديث:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:
«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ،
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ
عَلَى اللَّهِ تَعَالَى».
رواه البخاري ومسلم.
شرح الحديث:
1. مقدمة الحديث:
هذا الحديث الشريف من الأحاديث المهمة التي تتناول مسألة الجهاد في الإسلام وشروط العصمة من القتال. وهو حديث متفق عليه، رواه الإمامان البخاري ومسلم، مما يدل على قوته وصحته.
2. شرح معاني الألفاظ:
-
"أُمِرْتُ": أي أن النبي ﷺ مأمور من الله تعالى، فهو لا يتصرف من تلقاء نفسه، بل يتبع الوحي الإلهي.
-
"أُقَاتِلَ النَّاسَ": المقصود هنا "الناس" ليس كل البشر على الإطلاق، بل من يقف في وجه الدعوة الإسلامية ويمنع انتشارها أو يعتدي على المسلمين. الجهاد في الإسلام ليس قتالًا عشوائيًا، بل هو دفاع عن الدين وحماية للحقوق.
-
"حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ": الشهادة هي أول ركن من أركان الإسلام، وهي إعلان الإيمان بالله وحده ونبوة محمد ﷺ. فالدخول في الإسلام يبدأ بهذه الشهادة.
-
"وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ": الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين. إقامة الصلاة تعني أداؤها بانتظام وبالشروط الصحيحة.
-
"وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ": الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي حق مالي يجب على المسلم إخراجه للفقراء والمحتاجين.
-
"عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ": العصمة هنا تعني الحماية، أي أن من يشهد الشهادتين ويقيم الصلاة ويؤدي الزكاة يصبح دمه وماله محميًا في الإسلام، ولا يجوز الاعتداء عليه.
-
"إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ": أي أن هذه العصمة ليست مطلقة، بل هناك حالات تستوجب العقوبة في الإسلام، مثل القصاص أو الحدود الشرعية.
-
"وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ": أي أن ما في قلوب الناس من نوايا وأعمال خفية لا يعلمه إلا الله، وهو وحده الذي يحاسبهم عليها.
3. مقاصد الحديث:
هذا الحديث يوضح أن الإسلام دين يدعو إلى التوحيد وإقامة العدل، وأن الجهاد ليس هدفه القتل أو الإكراه، بل هو وسيلة لحماية الدعوة الإسلامية وضمان حرية الدين. الإسلام لا يُكره الناس على الدخول فيه، بل يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة. ولكن إذا وقف أحد في وجه الدعوة أو اعتدى على المسلمين، فإن الجهاد يصبح وسيلة للدفاع.
4. الجهاد في الإسلام:
الجهاد في الإسلام ليس مجرد قتال، بل هو مفهوم شامل يشمل الجهاد بالنفس والمال والكلمة. وهو وسيلة لحماية الدين والدفاع عن الحقوق. والقتال في الإسلام له ضوابط وشروط، منها:
- الدعوة أولًا: يجب أن تسبق القتال دعوة الناس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.
- عدم الاعتداء: الإسلام يحرم الاعتداء على الأبرياء، سواء كانوا من النساء أو الأطفال أو الشيوخ أو غير المحاربين.
- الدفاع عن النفس: الجهاد يكون مشروعًا إذا كان دفاعًا عن النفس أو حماية للمسلمين من العدوان.
5. العصمة في الإسلام:
العصمة المذكورة في الحديث تعني أن دم المسلم وماله محميان، ولا يجوز الاعتداء عليهما إلا في حالات معينة حددها الشرع، مثل القصاص أو الحدود. وهذا يؤكد على أهمية العدل في الإسلام، وأن العقوبات لا تُنفذ إلا بحق.
6. الفرق بين الجهاد والإكراه:
الإسلام يفرق بين الجهاد المشروع والإكراه على الدين. الله تعالى يقول في القرآن:
"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: 256)، أي أن
الإسلام لا يُكره أحدًا على الدخول فيه. الجهاد ليس لإجبار الناس على
الإسلام، بل لحماية الدعوة وضمان حرية الدين.
فوائد الحديث:
- تأكيد أهمية التوحيد: الحديث يوضح أن التوحيد هو الأساس في الإسلام، وأن الشهادة هي المدخل إلى هذا الدين.
- أهمية الصلاة والزكاة: الحديث يربط بين الإيمان والعمل، فالإسلام ليس مجرد عقيدة، بل هو دين يتطلب العمل والالتزام.
- ضوابط الجهاد: الجهاد في الإسلام له ضوابط وشروط، وليس هدفه القتل أو الاعتداء، بل هو وسيلة للدفاع عن الدين والحقوق.
- العصمة في الإسلام: الإسلام يحمي دماء الناس وأموالهم، ولا يجوز الاعتداء عليهم إلا بحق.
أبعاد الحديث وأحكامه
التأكيد على أساسيات الإسلام: الحديث يُظهر أهمية الأركان الأساسية: الشهادتين، الصلاة، والزكاة كمعيار للإسلام.
حماية الحقوق الإنسانية: يشدد الحديث على مبدأ احترام حقوق الأفراد الذين يؤمنون بالإسلام ويلتزمون بفرائضه، وهذا يعني حماية دمائهم وأموالهم في المجتمع.
الجهاد والدعوة: الحديث يوضح أن الجهاد كان من أجل نشر الدين بطريقة تدعو للتوحيد وتحترم حق الإنسان في الدين إذا التزم بالشهادتين وأركان الإسلام، وليس لإكراه الناس بالقوة.
الاستنتاج
هذا الحديث يُبرز المعنى العميق للتوحيد وأهمية الالتزام بالإسلام كعقيدة ومنهج، ويجعل الحقوق والحماية مرتبطة بالإيمان والعمل الصالح.
الأسئلة الشائعة
1. هل يعني هذا الحديث أن الإسلام يُكره الناس على الدخول فيه؟
لا، الإسلام لا يُكره أحدًا على الدخول فيه. الجهاد في الإسلام هو وسيلة للدفاع عن الدين وحماية الدعوة، وليس لإجبار الناس على الإيمان.
2. ما معنى "عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ"؟
يعني أن من يشهد الشهادتين ويقيم الصلاة ويؤدي الزكاة يصبح محميًا في الإسلام، ولا يجوز الاعتداء عليه أو على ماله إلا في حالات معينة حددها الشرع.
3. هل الجهاد في الإسلام يعني القتال فقط؟
لا، الجهاد في الإسلام يشمل الجهاد بالنفس والمال والكلمة. والقتال هو جزء من الجهاد، ولكنه ليس الهدف الرئيسي، بل هو وسيلة للدفاع عن الدين والحقوق.
4. ما هي شروط الجهاد في الإسلام؟
من شروط الجهاد في الإسلام: الدعوة أولًا، عدم الاعتداء على الأبرياء، الدفاع عن النفس، والقتال فقط لمن يعتدي على المسلمين أو يمنع الدعوة.
5. ما المقصود بـ "حِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"؟
المقصود أن الله هو الذي يحاسب الناس على نواياهم وأعمالهم الخفية، ولا يحق للبشر الحكم على ما في قلوب الآخرين.
هذا الحديث الشريف يوضح أن الإسلام دين يقوم على التوحيد والعدل، وأن الجهاد في الإسلام له ضوابط وشروط. كما يؤكد على أهمية الشهادة والصلاة والزكاة كأركان أساسية في الدين.