عوالم خفية: رحلة إلى أعماق البحار المظلمة
موضوع ظلمة البحار العميقة هو من مواضيع الإعجاز العلمي التي أثبتها العلم الحديث، وذكرها القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عام. تأتي الإشارة إلى هذه الظلمات في كتاب الله بطريقة مفصلة، وهو ما سنتناوله هنا بشيء من التفصيل، مستشهدين بالآيات والأحاديث.
1. الإشارة إلى ظلمات البحر في القرآن
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
"أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ" (النور: 40).
هذه الآية الكريمة تصف ظاهرة لم تكن معروفة للعرب وقت نزول القرآن، وهي ظلمات البحر العميق، وتوضح لنا مستويات الظلام المتعددة في الأعماق. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الضوء ينحسر تدريجيًا كلما تعمقنا في الماء حتى يصل إلى مرحلة ينعدم فيها الضوء تمامًا.
2. التفسير العلمي للآية
إن الضوء الذي ينفذ إلى المحيطات يتكون من عدة ألوان (الأطوال الموجية للضوء)، ولكل لون قدرة اختراق مختلفة؛ حيث يمتص الماء الألوان المختلفة تدريجيًا. في الأعماق التي تتجاوز 200 متر، لا يصل إلا القليل من الضوء الأزرق، وبمجرد أن يتجاوز العمق 1000 متر، يصبح البحر مظلمًا تمامًا، وهو ما يسمى منطقة الظلام أو المنطقة الأفوتية .
هذه الظاهرة لم تكن معروفة حتى تطور أدوات الغوص والمعدات العلمية الحديثة، التي أثبتت صحة هذا الوصف. كما أن الآية تشير إلى الأمواج الداخلية ، وهي أمواج غير مرئية تقع تحت السطح وتفصل بين طبقات المياه المتفاوتة في الكثافة، تمامًا كما تصف الآية بوجود "موجٍ من فوقه موج".
3. الأمواج الداخلية كدليل آخر
الأمواج الداخلية في البحار والمحيطات تشبه الأمواج السطحية، لكنها تتشكل في الأعماق بين طبقات المياه المختلفة. وقد تم اكتشاف هذه الأمواج باستخدام تقنيات علمية حديثة، وأكدت الأبحاث أن هذه الأمواج تُعد عائقًا إضافيًا أمام اختراق الضوء. وقد جاء في الآية الكريمة ذكر موجين متتالين: الأول على سطح البحر، والثاني في العمق، ما يعكس فهمًا دقيقًا للظروف الطبيعية في الأعماق.
4. الدليل من السنة النبوية
رغم عدم ورود نص صريح في السنة النبوية حول ظلمات البحر العميقة، إلا أن الإشارة إلى عظمة خلق الله وتنوع مخلوقاته في البر والبحر وردت في كثير من الأحاديث النبوية، مما يحث المسلم على التأمل والتدبر في عظمة الخلق. يقول النبي محمد ﷺ:
"إن الله جميل يحب الجمال" ، (رواه مسلم).
هذه الدعوة للتأمل في خلق الله تشمل كل مظاهر الطبيعة، بما في ذلك البحار وأعماقها، وهي دعوة للتفكر في ملكوت الله.
5. الإعجاز في تصوير القرآن لظلمات البحر
الإعجاز في تصوير القرآن لظلمات البحر يظهر بشكل مدهش في الآية الكريمة من سورة النور، حيث يقول الله تعالى:
"أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ" (النور: 40).
1. الظلمات المتراكمة
تصف الآية الكريمة ظلماتٍ متعددة متراكمة في البحر العميق ، وهو ما يُعرف اليوم بأنه يحدث بفعل عدة عوامل، أبرزها عمق المياه، وتناقص الضوء بشكل تدريجي كلما زاد العمق، حتى يصل إلى مرحلة الظلام التام.
- الأطوال الموجية للضوء تتوزع من الألوان الأقصر مثل الأزرق إلى الألوان الأطول مثل الأحمر. ولأن الضوء يُمتَصّ تدريجيًا، فإن معظم الألوان لا تصل إلى أعماق تزيد عن 200 متر، ويصبح البحر معتمًا بالكامل على عمق يقارب 1000 متر، وهو ما يعرف بمنطقة الظلام التام أو "المنطقة الأفوتية".
3. الظلام المتدرج
تصف الآية تدرج الظلمة ، حيث تتراكم الظلمات بعضها فوق بعض، وهو ما يتطابق مع ما أثبته العلم الحديث من وجود طبقات متعددة للظلام في عمق البحر، يتناقص فيها الضوء تدريجيًا حتى يختفي تمامًا. وقد أظهرت الدراسات العلمية أن الظلام يزداد بشكل تدريجي تحت السطح، أولاً بسبب امتصاص الماء لألوان الطيف المرئي، ثم بفعل الأمواج الداخلية، ما يجعل عمق البحر مظلمًا بدرجة لا يمكن معها رؤية اليد إذا مدها الإنسان أمام وجهه، كما قال تعالى: "إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا" .
4. السحاب وتأثيره في حجب الضوء
تتحدث الآية عن السحاب الذي يحجب الضوء ويؤدي إلى الظلمة من الأعلى، وهذه إشارة إلى تضافر العوامل الطبيعية في حجب الضوء عن عمق البحر، حيث أن السحب تحجب الضوء القادم من الشمس قبل أن يدخل سطح البحر، مما يساهم في تكوين الظلمة.
5. الإعجاز العلمي في التعبير القرآني
الآية الكريمة تصف بدقة علمية الظواهر المتعلقة بالبحار العميقة، وهو أمر لم يكن بالإمكان معرفته أو ملاحظته في عصر نزول القرآن، إذ لم يكن للإنسان أدوات لاستكشاف أعماق البحار.
هذا الوصف القرآني يبين كيف أن القرآن الكريم سبق العلم الحديث في وصف طبقات الظلام وأعماق البحار، مما يدل على مصدره الإلهي.
خلاصة: الإعجاز العلمي في ظلمات البحار العميقة
يعرض القرآن الكريم في آية من سورة النور وصفًا دقيقًا لظاهرة ظلمات البحر العميقة، ويكشف عن تفاصيل لم يكن للإنسان علم بها وقت نزول القرآن. فقد أشار الله تعالى في قوله:
"أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ" (النور: 40).
أهم النقاط التي يظهر فيها الإعجاز العلمي في الآية الكريمة:
ظلمات البحر المتراكمة : يعكس القرآن الكريم تدرج الظلمة في أعماق البحر، حيث يتناقص الضوء تدريجيًا حتى ينعدم تمامًا عند عمق 1000 متر تقريبًا، فيما يعرف بالمنطقة الأفوتية.
الأمواج الداخلية : ذكرت الآية موجين متتاليين، الأول على السطح والثاني في الأعماق، في إشارة واضحة إلى الأمواج الداخلية التي تحدث بين طبقات المياه ذات الكثافات المختلفة، وهو ما تم اكتشافه مؤخرًا في العلم الحديث.
السحاب وتأثيره : تساهم السحب في تقليل الضوء الذي يصل إلى سطح البحر، ما يزيد من الظلام في أعماق البحر.
الإعجاز العلمي في التصوير القرآني : توضح الآية معرفة دقيقة بظواهر علمية لم تكن معروفة للإنسان إلا بعد تطور أدوات الاستكشاف العلمي، مما يدل على سبق القرآن الكريم في عرض تفاصيل علمية متقدمة.
المراجع:
- القرآن الكريم، سورة النور: الآية 40 .
- الدراسات العلمية الحديثة حول ظواهر ظلمات الأعماق والأمواج الداخلية، ومنها الأبحاث المنشورة في علم المحيطات (Oceanography) والتي تشرح خصائص الضوء في الماء وامتصاص الألوان على أعماق مختلفة.
- كتب التفسير : مثل تفسير ابن كثير وتفسير الطبري، التي تناولت تفسير آية النور وربطها بالعجائب الكونية والمعاني العلمية.
- المقالات العلمية في المجلات المتخصصة في علوم البحار والمحيطات، والتي تؤكد الظواهر المذكورة في الآية من حيث تناقص الضوء في الأعماق وتكون الأمواج الداخلية.