تفسير سورة ال عمران من الايه 21 الي الايه 26

أثر القرآن
0

سورة ال عمران من الايه 21 الي الايه 26

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )

آل عمران (21)

هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب فيما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديما وحديثا ، التي بلغتهم إياها الرسل ، استكبارا عليهم وعنادا لهم ، وتعاظما على الحق واستنكافا عن اتباعه ، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه ، بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم ، إلا لكونهم دعوهم إلى الحق ( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) وهذا هو غاية الكبر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الكبر بطر الحق وغمط الناس " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الزبير الحسن بن علي بن مسلم النيسابوري ، نزيل مكة ، حدثني أبو حفص عمر بن حفص - يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري - حدثنا محمد بن حمزة ، حدثني أبو الحسن مولى لبني أسد ، عن مكحول ، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ قال : " رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ) [ إلى قوله : ( وما لهم من ناصرين ] ) الآية . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا عبيدة ، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا ، من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله عز وجل " .

وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عبيد الوصابي محمد بن حفص ، عن ابن حمير ، عن أبي الحسن مولى بني أسد ، عن مكحول ، به .

وعن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار ، وأقاموا سوق بقلهم من آخره . رواه ابن أبي حاتم . ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق ، قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا والعذاب المهين في الآخرة ، فقال : ( فبشرهم بعذاب أليم ) أي : موجع مهين .

( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ )

آل عمران (22)

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ )

آل عمران (23)

يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى ، المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم ، وهما التوراة والإنجيل ، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، تولوا وهم معرضون عنهما ، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم ، والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد .

 ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )

آل عمران (24)

ثم قال : ( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) أي : إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام ، عن كل ألف سنة في الدنيا يوما . وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة . ثم قال : ( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) [ أي غرهم في دينهم ] أي : ثبتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات ، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم وافتعلوه ، ولم ينزل الله به سلطانا

( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )

آل عمران (25)

قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) أي : كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ، ومحاسبهم عليه ، ومجازيهم به، ولهذا قال : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) لا شك في وقوعه وكونه ( ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )

( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

آل عمران (26)

يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، معظما لربك ومتوكلا عليه ، وشاكرا له ومفوضا إليه : ( اللهم مالك الملك ) أي : لك الملك كله ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) أي : أنت المعطي ، وأنت المانع ، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .

وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة ، لأن الله حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي المكي الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله ، وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل ، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية ، وكشفه عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ما تعاقب الليل والنهار . ولهذا قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك [ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ] ) أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعال لما تريد ، كما رد تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره ، حيث قال : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ الزخرف : 31 ] .

قال الله تعالى ردا عليهم : ( أهم يقسمون رحمة ربك [ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ] ) الآية [ الزخرف : 32 ] أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ولا مدافع ، ولنا الحكمة والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] ) [ الإسراء : 21 ] وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " إسحاق بن أحمد " من تاريخه عن المأمون الخليفة : أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية ، فعرب له ، فإذا هو :

باسم الله ما اختلف الليل والنهار ، ولا دارت نجوم السماء في الفلك     إلا بنقل النعيم عن ملك

قد زال سلطانه إلى ملك     وملك ذي العرش دائم أبدا

ليس بفان ولا بمشترك.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)