■ الحديث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفاً، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ - لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ-ـ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ».
■ حكم الحديث: متفق عليه
■ شرح الحديث: 〈الشيخ ابن عثيمين〉
________________________________________
قال المؤلِّفُ فيما نقله في هذا الباب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا.»قَوْله ﷺ: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ» فخرج بِقَوْلِه: «الرَّجُلِ» المَرْأَة، فإنَّ المَرْأَةَ حُضُورها للصَّلاةِ في الجَمَاعَة من الأُمُور المُبَاحة الَّتي لا يَحصُلُ لـها فيها أجرٌ وثَوَابٌ كما يحصل للرَّجل.
وقَوْله: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ» سَبق أنَّ أدْنَى الجَمَاعَةِ في هذا الباب رَجُلان.
وقَوْله ﷺ: «تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ»: يعني إِذَا صلَّى في بيتِه، والغالبُ أنَّه يُصلِّي في بيتِه وحدَه وفي سوقِه كذَلِك.
وقَوْله ﷺ: «فِي سُوقِهِ»: أي في مَتْجَرِه؛ لأنَّ الإِنْسَانَ قد يُصلِّي في دكانِه مثلًا ويترك المَسْجِد.
فإن سأل سَائلٌ: هل يَجُوزُ أن يُصَلَّى في الكَعْبَة؟
والجَوَاب: نعم، يَجُوز أنْ يُصَلَّى فيها الْفَرِيضَةُ والنَّافلةُ؛ لأنَّها مِن الأَرْض، فقد قال الرَّسول: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وأما النَّهي عَنِ الصَّلَاة فوق سطح بيت الله، كما في حديث ابن عمر بإسناد ضَعِيف، فهو لا يُعْتَمَدُ علَيْه.
وقَوْله: «خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا»: الضِّعْفُ هو مِثل الشَّيْء، يعني ما زاد عَلَى الشَّيْء بمثلِه فهو ضِعفه، وَهَذَا الضِّعْفُ الظَّاهرُ أنَّه نفس الدَّرجةِ المَذْكُورة في حديث عبد الله بن عمر، وأنَّ مَعْنَى قَوْله في حديث ابن عمر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، هو كقَوْله: «خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا»، وبناءً عَلَى هذا التَّفسير سيَكُونُ إشكالٌ، وهو أنَّه في حديث عبد الله بن عمر سبعٌ وعشرون، وفي هَذَا الحَدِيث خمسٌ وعشرون.
والجَوَاب عن هذا الإشكال أنْ يُقالَ: إنَّ هذا من باب الزِّيادة، وفضلُ الله واسعٌ.
يعني أنَّنا نأخذُ بالزَّائِد، وبِهَذَا نستريح من التَّأوِيلَات الَّتي ذهب إِلَيْها بَعْضُ العُلَمَاء، وهي تأويلاتٌ مُسْتَكرَهة، وتَزَوُّرُها صعب؛ فالصَّوابُ أنْ يُقال: إنَّ حديثَ ابن عمر فيه زيادةٌ وفضلُ الله واسعٌ، فللَّهِ تعالى أنْ يَزيدَ في الأجرِ والثَّواب ما شاء، ثم بيَّن سبب ذَلِك الفضل فقال: «وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ» ذَلِك: المشار إِلَيْه التَّضْعِيف «أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ» والوُضوء: هو تطهيرُ الأعضاءِ الأَرْبَعة عَلَى صِفَةٍ مخصوصة، وهي الـوجهُ والْيَدانِ والرَّأْسُ والرِّجلان، ولا تُغسـل كلها،
إلا الرَّأْس فإنَّه يُمْسَحُ، وإنَّما كَانَ فَرض الرَّأْس المسح لسَببَيْن:
السَّبب الأَوَّل: أنَّ البشرةَ مستورةٌ بالشَّعر؛ فاكتُفِيَ بمسح الشَّعر عن غَسله.
السَّبب الثَّانِي: أنَّ في غَسلـه مشقةً عَلَى النَّاس، لَا سِيَّما في أيـام الشِّتاء، فـإنَّ الإِنْسَانَ لو غسل رأسَه في أيام الشِّتاء وعلَيْه شعر؛ سَوْفَ يبقى رأسُه باردًا من وجهٍ، وسوف ينزل الـمَاء إِلَى بقية بدنِه من وجهٍ آخرَ.
وقَوْله: «فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ»: أي أتى به عَلَى الوجهِ المَشْرُوع.
وقَوْله: «ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ»: يعني يقصد الصَّلَاةَ.
«لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ» وهَذِهِ إِشَارَة إِلَى إخلاص النِّية، وإنَّه لم يخرج من بيته إِلَى المَسْجِد مِنْ أجْلِ تِجارةٍ أو رِياءٍ أو سُمعةٍ؛ وإنَّما أخرجته الصَّلَاة، أي قصد الصَّلَاة.
وقَوْله: «لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً»: خَطوَه وخُطوَه كِلاهُما صحيحٌ، فخَطوَة اسم للمَرَّةِ، وخُطوَة اسم للفعل، وكِلاهُما صحيحٌ يعني؛ والخَطوَة: هي المسَافةُ بين القدمَيْن عند المَشي، فإنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ المشيَ ينقلُ قدمَه من مكانٍ إِلَى مكان، فما كَانَ بين القدمَيْن فإنَّه يُسمَّى خُطوةً.
وقَوْله: «إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» فيكسِبُ شيئَيْن:
أولًا: رِفعةُ الدَّرجة: وهَذِهِ الرِّفعةُ ليستْ مَعْلُومةً لنا، جائزٌ أنْ يَكُونَ مِقْدَارُها ما بين السَّماء والأَرْض، أو دون ذَلِك أو أكثرَ من ذَلِك، المهمُ أنَّه يُرفع له بها درجةٌ وهي مُبْهَمة بالنِّسبة لنا، لكنَّها عند الله تعالى مَعْلُومةٌ.
الثَّانِي: حُطَّ عنه بها خَطِيئَةٌ: وهَذِهِ هي • الفَائِدَةُ الثَّانِية أنْ يُحَطُّ عنه بهـا خَطِيئَةٌ، ففي هذا حصـولُ المحبوبِ وزَوَالُ المَكْرُوه، حصـولُ المحبوب هـو رفع الدَّرجة، وزَوَالُ المَكْرُوه هو حَطُّ خطيئة عنه بِسَبَبها، فهاتانِ فائدتانِ عَظِيمتانِ.
لم يخطُ خطوةمن بيته إِلَى أنْ يَصلَ إِلَى المَسْجِد؛ لأنَّ الْبَيْتَ ابتداء الغَايَة، والمَسْجِدَ انتهاء الغَايَة، والقَاعِدَةُ في الشَّريعَةِ وفي اللُّغةِ الْعَرَبِيَّة أن ابتداءَ الغَايَةِ داخلٌ دون انتهائِها، وعلى هذا فيَكُون منتهى هذا الثَّواب دخُولَ المَسْجِد.
قَوْله: «فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ»: قَوْله: «فَإِذَا صَلَّى» ولم يقل: وليُصلِّي؛ إِشَارَةٌ إِلَى أنَّ هذا أمرٌ مَعْلُومٌ، أنَّ من دخل المَسْجِدَ فَسَوْفَ يُصلِّي إمَّا فَرِيضَة، وإمَّا نَافِلَة معيَّنَة، وإمَّا نَافِلَة مُطلَقة؛ لأنَّ الدَّاخِلَ إِلَى المَسْجِد إِذَا دخل يريدُ صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فصلَّى فَرِيضَة كفى، وإِذَا دخل وصلَّى راتبةَ الْفَرِيضَة كسُنَّةِ الْفَجْر الَّتي قبلها، أو كسُنَّة الظُّهر الَّتي قبلها، فهَذِهِ نَافِلَة مُعيَّنة، وإِذَا دخل وصلَّى لدخُوله المَسْجِد، فهَذِهِ نَافِلَة مُطْلَقَةٌ.
قَوْله: «فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ»: المَلائِكَة قَالُوا: إنَّها جمع مَلْأَك، وإنَّ أصلَ مَلأك: مَأْلَك، ففيها إعلالٌ بالمكان، أي أنَّ أحدَ حروفِها زُحْزِحَ عن مكانه، وإنَّما قَالُوا: إنَّ أصلها مَأْلَك؛ لأنَّ ذَلِك مشتقٌ من الألُوكة، والألُوكةُ في اللُّغةِ العربيَّة هي الرِّسَالة، والمَلائِكَةُ رسلٌ كما قال تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر:١]، إذن، المَلائِكَةُ جمع مَلْأك الَّذي أصلُه مَأْلَك.
ويقال: «مَلك» بحذفِ الهمزةِ تخفيفًا، وَهَذَا هو الَّذي في القُرْآن الكَرِيم، قال تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا﴾ [النجم:٢٦]، والمَلائكة: هم عالمٌ غيبيٌ محجوبٌ عَنِ الأبصار، لا يُرونَ إلا إِذَا شاء اللَّهُ ، وأنَّهم مخلوقونَ مِن نور، كما ثبتَ ذَلِك عَنِ النَّبي ﷺ، وأنَّهم يَخْتَلِفونَ في وظائفهم، فمِنهم مَن وُكِّلَ بالوحي، ومِنهم مَن وُكِّلَ بالقَطْرِ والنَّبات، ومِنهم مَن وُكِّلَ بالنَّفْخِ في الصُّور، ومِنهم مَن وُكِّلَ بالسِّياحةِ في الأَرْض يلتمسون حِلَقَ الذِّكر، ومِنهم مَن وُكِّلَ بحفظ أَعمال بني آدم، إِلَى غير ذَلِك مما جاء في الكِتاب والسُّنة، فهؤُلاءِ المَلائِكَة الَّذِين ذُكروا في هَذَاالحَدِيثِ مُوَكَّلُونَ بمَن جاء إِلَى المَسْجِدِ يريدُ الصَّلَاة مع الجَمَاعَة.
وللملائكة أَعْمَالٌ عَامَّةٌ، وأَعْمَالٌ خَاصَّةٌ:
الأَعْمَال العَامَّة: أنَّهُم كلُّهم قائمونَ بأمرِ الله وعبادتِه، ولِهَذا نحن نحبُّ المَلائِكَة؛ لأنَّهُم مُسْلِمونَ لله مطيعون له، فهم وإن لم يَكُونوا من جِنسنا ولكِنَّنا نحبُّهم لطاعتِهم لربهم .
الأَعْمَالُ الخَاصَّةُ: أنَّ الله وكَّلَ ملائكةً، إِذَا دخل الرَّجلُ المَسْجِدَ وقد توَضَّأَ وأحسنَ الوُضُوءَ وصلَّى، فإن المَلائِكَةَ تصلي علَيْه ما دام في مُصلَّاهُ، تقول: اللَّهمَّ صَلِّ علَيْه، اللَّهُمَّ اغفرْ له، اللَّهُمَّ ارحمْه.
«صَلِّ علَيْه»: مَعْنَاه أَثْنِ علَيْه في الملأ الأَعْلَى، يعني صِفْهُ بالكمالِ والثَّناءِ في الملأ الأَعْلَى في المَلائِكَة، وأنتم تقولون في صَلَاتكم: اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ، يعني أَثْنِ علَيْه في الملأ الأَعْلَى.
«اغفرْ له» الذُّنوبَ، وغفرانُ الذَّنبِ؛ أي سَتْره والتَّجَاوز عنه.
وقَوْله: «لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ» (مَا) يقول النَّحْويون: إنَها مصدريةٌ ظرفية، أي مركبةٌ من هذا وَهَذَا، وذَلِك لأنَّك إِذَا حَوَّلت مَدخُولها إِلَى مصدر؛ فلا بُدَّ أنَّ تُقَدِّرَ ظرفًا.
فمثلًا: «مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ»، أي مُدةَ دوامِه في مُصلاه، فالظَّرفُ كَلِمَة: (مُدةَ)، والمصدرُ كَلِمَة: (دوام)، حُوِّلَ الْفِعْلُ الَّذي هو (دَامَ) إِلَى المصدرِ الَّذي هو (دَوَام)، وعلى هذا فتَكُون (مَا) هنا مصدريةٌ ظرفية، مصدريةٌ لأنَّها يُؤتَى عند سَبْكِ فعلِها بمصدر.
وقَوْله: «فِي مُصَلَّاهُ»: أي في مكانِ صَلَاتِه، والظَّاهرُ أنَّ المُرادَ المكانُ العامُّ للصَّلاة، فيَشْمَلُ كُلَّ المَسْجِد، ما دام في هذا المَسْجِدِ، فإنَّ هذا المَسْجِدَ مُصلاه.
وقَوْله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ»: هذا بيانٌ لجملةٍ استئنافية، بيانٌ لكَيفِيَّةِ صَلَاةِ المَلائِكَةِ عَلَى الإِنْسَان، تقول: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ»: أي أَثْنِ علَيْه في الملإ الأَعْلَى، وَهَذَا ما ارتضاه كثيرٌ مِن أهلِ الْعِلْم، اتِّبَاعًا للتَّابعي أبِي العَالِيةِ الرَّيَاحِي حيثُ قال: «إنَّ صَلَاةَ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي المَلإ الأَعْلَى».
وبَعْضُهم قال: الصَّلَاةُ مِن الله الرَّحمة.
فإنكَ إِذَا قلتَ: اللَّهمَّ صَلِّ علَيْه، فهو كَقَوْلك: اللَّهُمَّ ارحمْه.
لكن هذا الْقَوْل ضَعِيف بدَلالة الْكِتَاب والسُّنة، أما دَلالة الْكِتَاب فإن الله تعالى قال: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة:١٥٧]، فعطَفَ الرَّحمةَ عَلَى الصَّلوَات، والعطفُ يَقْتَضي المُغَايَرة.
وأما السُّنة، فحديثنا الَّذي بين أيدينا، تقول: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ».
فجعل النَّبي ﷺ الرَّحمة غير الصَّلَاة، إذن «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ» نَقُول: إنَّ أقربَ الْأَقْوَالِ في مَعْنَاهَا: أَثْنِ علَيْه في الملأ الأَعْلَى.
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ»: أي تَجَاوزْ عن ذُنوبه مع سَترها، وإِنَّما قُلْنَا مع سَترها؛ مِنْ أجْلِ مُوافَقَة الاشْتِقَاق، لأنَّ المَغْفِرَةَ مأخوذةٌ مِن المِغْفَر، وهو الَّذي يُلْبس فوق الرَّأْس عند القتال اتِّقاء السِّهام، ومَعْلُومٌ أنَّ المِغْفَرَ الَّذي يُلْبَسُ فوقَ الرَّأْسِ اتقاءَ السِّهامِ جامعٌ بين الوقايةِ والسِّتر، وعلى هذا فاستحضر كُلَّما قلت: اللَّهُمَّ اغفرْ لي؛ أنَّك تسأل الله أنْ يعفوَ عنك بعدم المُؤَاخذَة، وأنْ يَسْتُرَ الذَّنبَ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قد يعفو عَنِ الإِنْسَانِ ولا يُعاقِبُه، ولكنْ يفضحُه بين النَّاس، فإِذَا اجتمعَ السِّتْرُ والعفو صار ذَلِك هو المَغْفِرَة.
وقَوْله: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ»: أي أَسْبِغْ علَيْه الرَّحمة، وهو شاملٌ لرحمةِ الدُّنيا والآخِرَة، أمَّا رحمةُ الآخِرَةِ فهي المَذْكُورةُ في قَوْلِه تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران:١٠٧]، وهي الجنَّة كما قال اللَّهُ تَعالَى في الحَدِيثِ القُدسي
في الجنَّة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»، وأمَّا في الدُّنيا، فأنْ يُيَسِّرَهُ لليُسرى ويُجَنِّبَه العُسرى، ففي هذا الدُّعَاء ثلاث فَوائِد عَظِيمَة:
• الفَائِدَةُ الأُولَى: الثَّناءُ عَلَى العَبْدِ في الملإ الأَعْلَى، ويُؤْخَذ مِن قَوْله: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ».
الثَّانِية: زَوَالُ المَكْرُوه، ويُؤْخَذ مِن قَوْله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ».
الثَّالثة: حصولُ المحبوب، ويُؤْخَذ مِن قَوْله: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ».
ثم قال النَّبي ﷺ: «وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ»: «لاَ يَزَالُ»: الفَاعِل يعود عَلَى هذا الرَّجل الَّذي توَضَّأ في بيتِه فأسبغَ الوُضُوء، ثم جاء إِلَى المَسْجِدِ وفعل ما ذُكِرَ في الحَدِيث.
«لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ»: أي في ثَوَابِ صَلَاة، ولَيسَ المُرَادُ أنَّه في حكم صَلَاة؛ لأنَّنا لو قُلْنَا: إنَّه في حكم صَلَاة؛ لزم مِن ذَلِك ألَّا يتكلمَ، وألَّا يقومَ مِن مكانِه إِلَى جانبٍ آخرَ في المَسْجِد، وألَّا يَستدبِرَ القِبْلَة، ومَا أَشْبَه ذَلِك؛ ولكنْ نَقُول: لا يزالُ في صَلَاةِ أي في ثَوَابِ صَلَاة.
وقَوْله: «مَا انْتَظَـرَ الصَّـلَاةَ»: (مَا) هنا مصدريةٌ ظرفية، أي مُدَّةَ انتظـارِه، وَالمصدريةُ الظَّرفيةُ أنْ يُحَوَّلَ الْفِعْلُ (انْتَظَرَ) إِلَى مصدرٍ فيَكُون: (انْتِظَار)، فلو قلت: ما انتظارُه؛ ما صَحَّ الكَلَام، فأُتِيَ معها بظرفٍ فتَكُون (مُدَّةَ انتظارِه)، ويَكُون الكَلَام صحيحًا مُنْسَبِكًا، إذن فـ(مَا) مصدريـةٌ ظرفية، و«انْتَظَـرَ الصَّـلَاةَ»: أي تَرَبَّصَ إِلَى حُضُورها.
مِن فَوَائِد هَذا الحدِيثِ:
• الفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ الذَّين تُشْرَعُ لـهم الجَمَاعَةُ هم الرِّجال، لِقَوْلِه: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ أَفْضَل»، فهل النِّسَاء يُندب لـهن صَلَاة الجَمَاعَة؟
نقول: أمَّا مع الرِّجال فقد بين النَّبي ﷺ الحُكْمَ في قَوْلِه: «بُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَـهُنَّ»، فصَلَاتُها مُنْفَرِدة في بيتها أفضلُ من حُضُورِها إِلَى المَسْجِد لتصليَ في الجَمَاعَة، ولم يَستثنِ أحدٌ مِن العُلَمَاء شيئًا من المَسَاجِد أبدًا، إلا ابنُ مسعودٍ فإنَّه استثنى المَسْجِدَيْن: المَسْجِدَ الحرام، وَالمَسْجِدَ النَّبَوي، وقال: «صَلاتُهَا فِيهِمَا أَفْضَلُ مِن صَلاتِها فِي بَيْتِها».
ولكنه إنْ صح عنه هذا الْقَوْل، فهو محجوجٌ بقول النَّبي ﷺ: «بُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَـهُنَّ».
وَالصَّوَاب: أنَّ صَلَاةَ المَرْأَة في بيتها حَتَّى في مكة، أفضلُ من صَلَاتِها في المَسْجِد الحرام، خلافًا لـما يفعلُه النَّاسُ الآن، حيثُ إنَّ النِّسَاءَ يَأْتِينَ ويزاحمنَ الرِّجالَ ويحصلُ لـهنَّ مشقة، ويحصل علَيْهِن أَحْيانًا اعتداءٌ من فُسَّاقِ النَّاس، فنقول: إنَّ صَلَاتَها في بيتِها أفضل.
فإنْ قال قَائِل: إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ في المَسْجِدِ الحرامِ هل تحصلُ عَلَى التَّضْعِيف، فتَكُون صَلَاتُها بمِئةِ ألف؟
وَالجَوَاب: لا، بل فيه نَظَرٌ؛ لأنَّه قد يُقال: إنَّ قولَ الرَّسول ﷺ ذَلِك لمَن يُشرَعُ له أنْ يحضُرَ إِلَى المَسْجِد، وأمَّا مَن لا يُشرَعُ له ولا يُطْلَبُ مِنه فلسنا عَلَى يقين، بل ولا عَلَى غلبةِ ظنٍّ أنَّه يَحصُل لـها هذا الثَّوَاب، ثم عَلَى تقديرِ أنَّه حصل لـها الثَّوَاب، فهَذِهِ مضاعفةٌ في الكَمِّ، وصَلَاتُها في الْبَيْت مضاعفةٌ في الكَيْفِ، وقد تَكُون مضاعفةُأخرجه أبو داود:
الكَيف أبلغُ من المضاعفةِ في الكَم، وَهَذَا شَيْءٌ مُشاهَدٌ حَتَّى في الأُمُورِ المحسوسة، لو أنَّ إِنْسَانًا عنده مِئة قطعة من الذَّهب، ووزنُ كلِّ وَاحِدَةٍ مِنها جرام، فهَذِهِ مِئة جرام؛ لكنْ عنده قطعة كَبِيرَة مثقالٌ من الذَّهب، فأيهما أولى؟ الثَّانِي أولى، فالكَيفِيَّة قد تَكُون غالبةٌ عَلَى الكمية.
وَالخلاصة أنَّنا نَقُول: صَلَاة المَرْأَة في بيتها أفضلُ مِن صَلَاتِها في المَسْجِد الحرام وَالمَسْجِد النَّبَوي، لَا سِيَّما وَالرَّسول يتكلم عن هذا في المدينة وفيها المَسْجِد النَّبَوِي يقول: «بُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَـهُنَّ».
فإنْ قال قَائِل: لو حضرتِ المَرْأَة، فهل تَحصُلُ لـها المُضاعفة؟
نقول: هذا محلُّ نظرٍ؛ لأنَّها لو ثبتت لـها المضاعفةُ لكَانَتْ مُرَغَّبَةً في الحُضُور إِلَى المَسْجِد، وهي لا ترغب في الحُضُور إِلَى المَسْجِد، فالظَّاهر أنَّه لا تَحصُل لـها المُضاعفة، وعلى تقدير أنَّه تحصُل لـها المُضاعفة، فهل هَذِهِ المُضاعفةُ أفضلُ مِن صَلَاتها في بيتها؟ نَقُول: لا، لأنَّ الصَّلَاةَ في الْبَيْت أفضلُ مِن حيثُ الكَيفِيَّة، وهَذِهِ أفضلُ مِن حيثُ الكمية، وقد تَكُون الْأَفْضَليةُ في الكَيفِيَّة أبلغُ مِن الْأَفْضَليةِ في الكمية.
ولكنْ لو أصرتِ المَرْأَة عَلَى أنْ تصليَ في المَسْجِد، فهل تُرْغَمُ عَلَى الصَّلَاة في الْبَيْت؟
وَالجَوَاب: لا، لا تُرغم عَلَى الصَّلَاة في الْبَيْت؛ وذَلِك لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ»، فلا نُرغمُها، ولِـهَذا كَانَ عمرُ يَكرهُ أنْ يُصلِّيَ أهلُه في المَسْجِد، لكنَّه لـم يمنعْهن، فعَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَـهَا: لِـمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ».
• الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الجَمَاعَةَ إنَّما تُشرعُ في المَسْجِد لا في الْبَيْت، لِقَوْلِه: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ» و(أل) هنا في (الجَمَاعَة) للعهد، فتُحمل عَلَى الجَمَاعَة المعروفةِ المعهودة، وهي الجَمَاعَةُ في المَسْجِد.
وقد اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ هل يحصُل فضلُ الجَمَاعَةِ إِذَا صلَّى الإِنْسَانُ في بيتِه أو في سوقِه جَماعَةً دون المَسْجِد؟ هل يحصُل بذَلِك الثَّوَاب؟ وهل يسقط بذَلِك الإثم؟
وَالجَوَاب عَلَى قولين: فمنهم مِن قال: إنَّ المَقْصُودَ تحصيل الجَمَاعَة، سوَاءٌ في بيتِه أو في سوقِه أو في مَسْجِده، ولكنَّها في المَسْجِد أفضل، ومِنهم مَن قال: لا يسقط وُجُوبُ الجَمَاعَة، ولا يحصُل الثَّوَابُ إلا لمَن أداها في المَسْجِد، وَهَذَا الْقَوْل هو الرَّاجح، وهو أنَّ الوَاجِبَ حُضُورُ الإِنْسَانِ إِلَى الجَمَاعَة في المَسْجِد، ويدل عَلَى هذا حديثُ أبي هريرة الَّذي بين أيدينا، وكذَلِك حديثه، أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»، وَهَذَا يَشْمَلُ ما إِذَا كانوا يصلُّونَ جَماعَةً في مكانِهم أو لا، فالصَّوابُ أنَّها وَاجِبَةٌ في المَسْجِد.
• الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: تفاضلُ الأَعْمَال وإنْ كَانَتْ من جنسٍ وَاحِد، بل وإنْ كَانَتْ من نوعٍ وَاحِد، بل وإنْ كَانَتْ مِن مُعَيَّنٍ بعينِه؛ لِقَوْلِه: «تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ»، مع أنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَة، فَهَذَا إِنْسَانٌ صلَّى العَصْر في المَسْجِد جَماعَةً، وإِنْسَانٌ صلَّى العَصْر في بيتِه، الصَّلَاةُ وَاحِدَةٌ، ومع ذَلِك فالأَوَّل هو الْأَفْضَل، ففيه دَلِيلٌ عَلَى تفاضلِ الأَعْمَال ولو كَانَتْ عملًا مُعَيَّنًا باعتبار أوصافه وأَحْوَاله.
• الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: جَوَازُ الصَّلَاةِ في السُّوق، لِقَوْلِه: «فِي سُوقِه»، وظَاهِرُ الحَدِيث ولو كَانَ السُّوقُ قارعةَ طريق، وقارعةُ الطَّريق: أي الَّذي تقرعُه الأقدام، وفيه دَلِيلٌ عَلَى ضعفِ الحَدِيث الَّذي فيه النَّهي عَنِ الصَّلَاة في قارعةِ الطَّريق، وهَذِهِ -أَعني الصَّلَاةَ في قارعةِ الطَّريق- مُختلَفٌ فيها:
فمِن العُلَمَاء مَن قال: إنَّه لو صلَّى في قارعة الطَّريق ولو كَانَ في حالٍ لَيسَ فيها سَالكٌ فإنَّ صَلَاتَه لا تَصِحُّ، فإِنْسَانٌ مثلًا صلَّى في الشَّارع، ولَيسَ فيه أحدٌ يمشي، لا آدميٌ ولا سياراتٌ ولا حيوان، يقول: صَلَاتُه بَاطِلةٌ لا تصح؛ لأنَّ النَّبي ﷺ نهى عَنِ الصَّلَاة في قارعة الطَّريق.
ومِنهم مَن قال: الصَّلَاةُ صَحِيحَة، وأجابوا عَنِ الحَدِيثِ بأنَّه ضَعِيف، واستدلوا بعُمُوم قول النَّبي ﷺ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، فقَالُوا: إنَّ قارعةَ الطَّريق مِن الأَرْض فتدخل في العُمُوم.
وَهَذَا الْقَوْل هو الرَّاجح.
نعم، لو كَانَتْ قارعةُ الطَّريق مسلوكةً في حال الصَّلَاة، فهنا نَقُول: لا تصلي، لا لأنَّها لا تصح في السُّوق؛ ولكنْ لأنَّ ذَلِك يَحصُل به التَّشويشُ عَلَى المُصَلِّي، إذ إنَّه سَوْفَ ينظر إِلَى النَّاس يمرون ذاهبين جاءين، ورُبَّما يمرون بين يدَيْهِ ويُنقِصون أجرَ صَلَاته، ولذَلِك لـما نظر النَّبي ﷺ مرة وَاحِدَة إِلَى خميصته الَّتي كَانَتْ علَيْه، وانتهى من صَلَاته قال: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْـهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي».
والخَمِيصَةُ: نوعٌ من أنْوَاع اللِّباس، مُخطَّطٌ ومُزَرْكَش، فنظر النَّبي ﷺ إِلَى أعلامها في صَلَاته نظرةً وَاحِدَة؛ فأمر بإبعادها لأنَّها ألهته عن صَلَاته، وقال: «ائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ»، وهي كسَاءٌ غليظ؛ لأنَّ أبا جهمٍ هو الَّذي أهدى إِلَيْه الخَمِيصَة، ولمَّا حصل مِن الخَمِيصَة هَذِهِ المَفْسَدة؛ ردها النَّبي ﷺ علَيْه، وأمر بأنْ يُؤْتَى بأَنْبِجَانِيَّتِه؛ لكي لا ينكسرَ قلبه، وَهَذَا من سياستِه ﷺ وحُسْنِ خلقِه، لكنْ يبقى في الحَدِيث إشكال، وهو إِذَا كانتِ الخَمِيصَةُ قد ألهتِ الرَّسولَ ﷺ، فهي سَوْفَ تُلهي أبا جهمٍ، فكيف تخلَّص الرَّسول مِنها وأعطاها رجلًا رُبَّما ينشغل بها في صَلَاته؟
!والجَوَاب: أنَّ الإِنْسَانَ يتخلَّص من الشَّيْء الَّذي لا يناسبُه إِلَى أي شَخْصٍ آخر، والآخرُ قد يستعملُها في ذَلِك وقد لا يستعملُها، وقد يُلهِيه وقد لا يُلهِيه.
• الفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: حسنُ تعليم الرَّسول ﷺ، وهو أنَّه إِذَا ذَكَرَ الحُكْمَ ذَكَرَ أسبابَه الَّتي تُوصِّل إِلَيْه، وَهَذَا يُؤْخَذ من قَوْله: «وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ» وذكر الحَدِيث، فإنَّ هذا بيانٌ لسَبب التَّضْعِيف.
• الفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ هذا التَّضْعِيفَ لا يحصُل لمِن توَضَّأ في المَسْجِد، فلو أنَّ رجلًا خرج مِن بيته غيرَ متوضئ، قاصدًا الصَّلَاة، وتوَضَّأ مِن وَضوءِ المَسْجِد، فهل يحصُل له هذا الثَّواب؟
فإنَّنا نَقُول: ظَاهِر الحَدِيث أنَّه لا يحصُل له الثَّواب، وأنَّه لا بُدَّ أنْ يخرجَ مِن الْبَيْت متطهرًا، لكنْ لو فَرضنا أنَّ الإِنْسَانَ لَيسَ عنده ما يَتوَضَّأُ به في بيته، وخرج وهو يريد الصَّلَاة، ثم توَضَّأ مِن مِيضَأةِ المَسْجِد، فهنا قد نَقُول: إنَّه يحصُل له الأجرُ لأنَّه تخلَّف بعذر.
• الفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الحثُ عَلَى تحسين الوُضُوء، بأنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ ما جاء عَنِ النَّبي ﷺ من غير غُلوٍ ولا تَقصير، وعلى هذا فمَن توَضَّأ وغسَل أعضَاءَه أَرْبَعَ مرَّات، فهو بذَلِك لم يحسنِ الوُضُوء؛ لأنَّه زاد عَلَى السُّنة، فقد جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»، أو توَضَّأ ولكنَّه بقيَ علَيْه في بَعْض أعضائِه شَيْءٌ لم يغسلْه، فَهَذَا أيضًا لم يحسنِ الوُضُوء؛ لأنَّ النَّبي ﷺ لـما رأى رجلًا وفي قدمِه مثل الظُّفر لم يصبه الـمَاء؛ قال: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ».
• الفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: الإِشَارَةُ إِلَى أنَّ الأَعْمَالَ تتفاضل، فمِنها ما أحسن، ومنها من اقتُصر فيه عَلَى أقلِ مُجزئ، لِقَوْلِه: «فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ».
• الفَائِدَةُ العَاشِرَةُ: أنَّ لإِحْسَانِ العَمَل تأثيرًا في زيادة الثَّواب، بل إنَّ الله قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك:٢]، فبماذا يَكُون حسن الْعَمَل؟
يَكُون بالإخلاص والمتابعة، فكُلَّما كَانَ الإِنْسَانُ أشدَّ إخلاصًا وأشدَّ وأقوى متابعةً؛ كَانَ عملُه أفضلَ وأحسنَ.
• الفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: فَضِيلَةُ الوُضُوء، فهل التَّيمُّمُ ملحقٌ به إِذَا ناب منابه؟ الظَّاهـرُ نعـم، أخذًا من حديث أَبِي بُرْدَةَ قـال: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُـولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».
• الفَائِدَةُ الخامِسَةَ عَشْرَةَ: الإِشَارَةُ إِلَى الإخلاص، وَهَذَا يُؤْخَذ مِن قَـوْله ﷺ: «لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ».
• الفَائِدَةُ السَّادِسَةُ عشرةَ: أنَّه يَنْبَغِي مقاربة الخُطى لتكثرَ له رِفعةُ الدَّرجات وحطُ السَّيئات، هَكَذا قال بَعْض العُلَمَاء: أنَّه يَنْبَغِي للإِنْسَانِ إِذَا خرج للمَسْجِدِ للصَّلاة أنْ يُقارب الخُطى مِنْ أجْلِ كَثْرَةِ الدَّرجات وحط الخطايا، وفي هذا نظر؛ لأنَّ النَّبِيّ ﷺ لو أَرَاد ذَلِك لقال: «فليقَصِّر خَطوتَه»، لكنَّ الرَّسولَ ﷺ تحدث عَنِ الخُطى المعروفة دونَ أنْ يَمُدَ خَطوتَه، ودون أنْ يُقصِّرَها، أي أنْ يمشيَ مشيًا عَلَى عادته، وأما أنَّ نَقُولَ تعمُّدَ تقصيرِ الخُطى، فَهَذَا لا يدُلّ علَيْه الحَدِيث.
ولو سَأَلَ سَائِلٌ: هل يُشرَع للإِنْسَانِ أنْ يتعمدَ بُعدَ الْبَيْتِ عَنِ المَسْجِد ليزيدَ الأجر؟
والجَوَاب: إِذَا كَانَ منزلُه بعيدًا بدون قصدٍ حصُل له الأجر، أما أنْ يقولَ: أبعُدُ عَنِ المَسْجِد لأحصُلَ عَلَى ثَوَابٍ أكثرَ فلا؛ فإنَّه رُبَّما يَكُون الْيَوْم نشيطًا عَلَى أنْ يَأْتِيَ من بعيد، وغدًا يَكُون ضَعِيفًا أو كسلانًا فيندمُ عَلَى ذَلِك؛ فَهَذَا سيدنا عَبْدُ اللَّهِ ابْنَ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ: «فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ.»، وتنازل معه إِلَى أنْ يصومَ يومًا ويُفطرَ يومًا، وأنْ يقومَ وأنْ ينامَ نصف اللَّيل، ويقوم ثلثَه وينامَ سدسَه؛ ومع ذَلِك لـما كَبِر قال: ليتني قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيّ ﷺ.
حَتَّى صار يصوم خَمْسَةَ عشَرَ يومًا تباعًا، ويُفطرُ خَمْسَةَ عشَر يومًا تباعًا.
فالإِنْسَانُ لا يَنْبَغِي أنْ يزنَ نفسَه بالقوةِ والنشاطِ في الوَقْت الحاضِر؛ بل يتمشَّى
عَلَى الشَّرْط: متى صار نشيطًا عمِل، ومتى كَانَ عاجزًا أو كسلان فعلى حسَب الحال.
وإِذَا خرج مَن توَضَّأ إِلَى المَسْجِد لا يريدُ إلا الصَّلَاةَ وطلبَ الْعِلْم، فهل يثبُتُ له الثَّواب؟
والجَوَاب: لا، مَن خرج إِلَى بيِته لطلب الْعِلْم، فلا يدخل في الحَدِيث؛ لكنْ مَن أَرَادهما جميعًا يدخل فيه؛ لأنَّ النَّبيﷺ قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّـيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.»وهل هذا الثَّواب المَذْكُور عامٌّ يحصُل لمَن ركِب السَّيارةَ وذهب بها إِلَى المَسْجِد، أم أن هذا الثَّواب خاصٌّ بمن ذهب ماشيًا؟
والجَوَاب: أن هذا الثَّواب عام؛ بدَلِيل صاحب الحِمار الَّذي اشتراه أو قيل له لو اشتريت حِمارًا لبعد دارك أو كَلِمَة نحوها، لكن الرَّسول ﷺ قال: «إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ»، ولم يقلْ له: إنَّه يَبْطُلُ سعيكَ بركوب الحِمار، فالظَّاهر -والله أعلم- أنَّه يحصُل المَقْصُود بذَلِك، لَا سِيَّما إِذَا كَانَ يُشق علَيْه المشي، أمَّا مَن كَانَ يركب السَّيارةَ تَرفُّـهًا فـلا يحصُل له هذا الأجر؛ لأنَّ بَعْضَ النَّاسِ رُبَّما يركبُها تَرفُّـهًا لأنَّه لا يتحمل لَفْحَ الحَرِّ، ويقول: أخرج بالسَّيارة مِن أجلِ أنَّها مُكيفةٌ، وإنْ كَانَ المَسْجِدُ قريبًا، وكان هو نشيطًا، فالظَّاهر أنَّ مثلَ هذا لا يحصُل له هذا الأجر.
لكن عَلَى أنَّه يحصُل له الأجر، فإنَّ خَطوةَ السَّيارةِ بدوْرَةِ إطارِها دورة كَامِلة، كذَلِك الرِّجلُ ترفعُها لتخطوَ، ففي رفعِها ثم وضعِها في الأَرْض تَكُون خطوةً.
• الفَائِدَةُ السَّابِعَةُ عشرة: أنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيئات، لِقَـوْلِه: «حُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ»، وَهَذَا أصلٌ مقررٌ في القُرْآن والسُّنة.
ففي القُرْآن: قال اللَّهُ تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود:١١٤].
وفي السُّنة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ فَنَزَلَتْ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي».
ولو سَأَلَ سَائِلٌ: هل نَقُول: إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ إِذَا فعلها الإِنْسَانُ عَلَى وجهٍ ناقص، أم لا بُدَّ مِن أنْ يفعلَها عَلَى وجهٍ كَامِل؟
والجَوَاب: الظَّاهر أنَّه لا بُدَّ مِن أنْ يفعلَها عَلَى وجهٍ كَامِل، وعلى هذا، فكلُ الجَزاءاتِ المُرَتَّبةِ عَلَى الصَّلَاةِ إنَّما تَكُونُ عَلَى صَلَاةٍ كَامِلةٍ؛ ولذَلِك قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت:٤٥]، فَهَذَا خَبَرٌ مِن الله وهو أصدق القَائِلين قولًا، مع أنَّنا نشاهد أنَّ الرجلَ يُصلِّي ولا تنهاه الصَّلَاة عَنِ الفحشاء والمنكر لنقصِها، وإلا فمِن المَعْلُومِ أنَّ الإِنْسَانَ لو أشار بأنَّه يُناجِي ربه ويدعوه ويعظمه ولو لحظةً؛ لأثَّرَ ذَلِك عَلَى قلبه، لكنَّ أكثرَ النَّاسِ يُصلِّي بجسمه دون قلبِه، يقرأ وقلبُه مشتغلٌ بشَيْء آخر، يسبح وقلبُه مشتغلٌ بشَيْء آخر، فأين الصَّلَاة الْقَلْبية؟
! هَذِهِ صَلَاةٌ حركيةٌ جسميةٌ فقط.
ولو سَأَلَ سَائِلٌ: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود:١١٤]، هل هذا مشْرُوطٌ بالتَّوبة أم تُزِيلها بدون تَوْبَة؟
والجَوَاب: لا، هذا لَيسَ مشْرُوطًا بالتَّوبة؛ لأنَّ التَّوبةَ نفسَها تمحو الذَّنب، لكنَّه مقيدٌ بما إِذَا اجتنبتِ الْكَبائِر.
• الفَائِدَةُ الثَّامنةَ عَشْرَةَ: إِثْباتُ المَلائِكَة، لِقَوْلِه: «لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ».
• الفَائِدَةُ التَّاسعةَ عَشْرَةَ: أنَّ للملائكةِ فضلًا عَلَى بني آدم، ولكنَّ هذا الفضل إنَّما هو مِن اللَّهِ ؛ فهو الَّذي سخَّرهم ليدعوا لبني آدم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر:٧].
• الفَائِدَةُ العشرون: أنَّ المَلائِكَةَ لا تصلي إلا إِذَا جاء الإِنْسَانُ بِهَذَا الوصف، «تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ»، «خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ»، فإنْ لم تكنْ هَذِهِ الخَطوات فإنَّه لا تصلي علَيْه المَلائِكَة، ويُؤْخَذ ذَلِك مِن أنَّ الشَّيْء إِذَا عُلِّق بشَيْء فإنَّه لا يثبُت حَتَّى يوجدَ المُعَلَّقُ علَيْه.
• الفَائِدَةُ الحادية والعشرون: أنَّ المَلائِكَةَ تقول وتفعل ولها إدراكٌ، لِقَوْلِه: «تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ».
وصَلَاة المَلائِكَةِ نوعان:
صَلَاةٌ عَامَّة: وهَذِهِ لكل مؤمن، سواءٌ عمِل أو لم يعمل، ومنه قَوْله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الأحزاب:٤٣]، ومنه قَوْله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى:٥]، وقَوْله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر:٧].
وصَلَاةٌ خَاصَّة: وهي هَذِهِ المَذْكُورة في الحَدِيث لمن جاء المَسْجِدَ للصَّلاة.
• الفَائِدَةُ الثَّانِية والعشرون: أنَّ المَلائِكَةَ -عليهم السلام- تؤمنُ بالله، وتعلم أنَّه لا يكشف السُّوءَ إلا الله، ولا يجلب الخَيْرَ إلا الله؛ لأنَّها توجه النِّداء إِلَى الله تقول:
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ»، ومَرَّ أنَّ (اللَّهُمَّ) أصلُها (يا الله)، فحُذِفَت (ياء) النِّداءِ، وعُوِّضَ عنْها الميمُ، وأُخِّرتِ الميمُ تَيَمُّنًا بالبداءةِ بذكر اسمِ اللَّهِ ، أي لم نَقُل: «ما الله»؛ بل قُلْنَا: «اللَّهُمَّ».
• الفَائِدَةُ الثَّالثة والعشرون: أنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أتى عَلَى هَذِهِ الصِّفةِ إِلَى المَسْجِد وصلَّى وجلس؛ فإنِّه يُكتبُ له أجرُ المُصَلِّي إِلَى أنْ يَحضُرَ الْإِمَام، وَهَذَا لِقَوْلِه: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ»، لكنَّ هذا العُمُوم قُيِّدَ بـ«ما لم يُحدِث»، أو يخرج مِن المَسْجِد؛ أما القيد الثَّانِي «أو يَخْرُج مِنَ المَسْجِد» فإنَّه مفهومٌ من اللَّفْظ، لِقَوْلِه: «لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ»، وأمَّا كونُه لم يحدث، فإنَّه زائدٌ عَلَى ما في هَذَا الحَدِيث، فإنْ أحدثَ ارتفعت صَلَاةُ المَلائِكَةِ علَيْه، ودعاؤها له.
فلو قال قَائِل: إن الفضلَ هذا مترتبٌ عَلَى شرطَيْن: لم يخرج من المَسْجِد، ولم يُحْدِث؛ فهل الحدث هنا يَشْمَل البِدعة، كأنْ يذكرَ اللَّهَ عَلَى أوصاف مخالفةٍ للسُّنة؟
والجَوَاب: لا، المُرَاد بالحدث ما يُنْقِضُ الوُضوء.
----------------------------
كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة رقم (٦٢٠)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصَّلاة، رقم (٦٤٩).
كتاب الصَّلاة، أبواب المساجد، باب قول النبي ﷺ: «جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، رقم (٣٢٨).
كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة رقم (٦١٩)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم (٦٥٠).
أخرجه البخاري تعليقًا (٤ / ١٨٠١).
كتاب التفسير، باب تفسير سورة ق، رقم (٤٥٦٩)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (٢٨٤٦).
كتاب الصَّلاة، باب مَا جَاءَ فِى خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ، رقم (٥٦٧).
كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النِّساء والصبيان وغيرهم، رقم (٨٥٨)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب خروج النِّساء إلى المساجد إذا لم يترتب علَيْه فتنة، رقم (٤٤٢).
كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة، رقم (٦١٨)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم (٦٥١).
كتاب الصَّلاة، باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها، رقم (٣٦٦).
كتاب الطهارة، باب الاعتداء في الوُضُوء، رقم (١٤٠).
كتاب الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة، رقم (٢٤٣).
كتاب الجهاد، باب يكتب للمُسَافِر مثل ما كان يعمل في الإقامة، رقم (٢٨٣٤).
كتاب الصوم، باب صوم الدهر، رقم (١٨٧٥).
بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم (١).
كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد، رقم (٦٦٣).
كتاب التفسير، باب تفسير سورة هود، رقم (٤٤١٠)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قَوْله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، رقم (٢٧٦٣)..
المصدر :شرح عمدة الاحكام - ابن باز / كتاب الصلاة / باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها /حديث رقم:63