"لا تمنعوا نساءكم من المساجد: وصية نبوية صريحة تُهم كل مسلم"

أثر القرآن
0

وصية نبوية صريحة تُهم كل مسلم"

 ■ الحديث: عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا اسْتَاذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَلا يَمْنَعُهَا»، قَالَ: فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَقُولُ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعُهُنَّ؟

فِي لَفْظٍ لمسلم : «لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ».

■ حكم الحديث: متفق عليه
■ شرح الحديث: 〈الشيخ ابن عثيمين〉

________________________________________

وفي لفظ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّ‍هِ مَسَاجِدَ اللَّ‍هِ».

قَوْله: «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُم»: الفَاعِل هنا: (امْرَأَتُهُ)، مثل قَوْله: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ [البقرة:١٢٤]، فهنا قُدِّمَ المفعولُ.

«إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ»: أي طلبتِ الإذنَ مِنه والسَّماحَ، «أحدكم» يعني: الوَاحِدَ منكم، و«امرأتُه» يَحْتَمِلُ أن تَكُونَ الزَّوجة، ويَحْتَمِلُ أن تَكُونَ المَرْأَة التي له علَيْها وِلايةٌ مثل ابنتِه، أو أخته، أو أمُّه، ومَا أَشْبَه ذَلِك.

وقَوْله: «إِلَى المَسْجِدِ»: يعني للصَّلاة فيه، وإنَّما قُلْنَا للصَّلاة فيه؛ كي لا يُقال: إنَّه عامٌّ لو استأذنَت إِلَى المَسْجِد لتُشاهِدَه، كمَسْجِدٍ بُنيَ حديثًا، فطلبت المَرْأَةُ من زوجِها أنْ يأذنَ لـها أنْ تشاهدَ هذا المَسْجِد، فإنَّ ذَلِك لا يدخل في الحَدِيث، وإنَّما المُرَادُ إِذَا استأذنتِ المَرْأَةُ إِلَى المَسْجِد أي للصَّلاة.

وقَوْله: «فَلَا يَمْنَعْهَا»: يعني لا يمنعْها من الذَّهاب إِلَى المَسْجِد.

قال: «فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّ‍هِ: وَاللَّ‍هِ لَنَمْنَعُهُنَّ»: الكَلَام له مغزًى صحيح، لكنَّ التَّعبير خطأٌ، بلالُ بنُ عبدِ اللَّ‍هِ غرضُه بذَلِك أنَّهن اختلفن عَلَى عهد النَّبِيّ ﷺ، فاقتضتِ الحالُ أنْ يُمنعنَ كما قالت عَائِشَةَ : «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّ‍هِ ﷺ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ، كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ»، فَهَذَا كَلَام عَائِشَة، وهو كَلَامٌ

جيد، أما بلالٌ  فقال: «وَاللَّ‍هِ لَنَمْنَعُهُنَّ»، التَّعبير خطأٌ وسَيِّئٌ، والهدفُ صحيحٌ.

قال: «فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّ‍هِ»: يعني انصرف إِلَيْه بوجهِه فسبَّه سبًا سيئًا، ما سمعتُه سبَّه مثلَه قط، وكان ابنُ عمرَ  شديدًا مع الزُّهد والعِبادَة، أبوه عمر  كَانَ شديدًا قويًا حازمًا، فابنُ عمرَ سبَّ ابنَه بلالًا سبًّا سيئًا، يقول: «مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ».

قال له: «أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّ‍هِ ﷺ وَتَقُولُ: وَاللَّ‍هِ لَنَمْنَعُهُنَّ»: هذا خطأٌ لأنَّه مصادمةٌ تمامًا للنَّص، ومصادمةُ النَّصِّ لَا إِشْكَالَ أنَّها حرامٌ، وكان عَلَى المؤمن أنْ يقولَ في مثل ذَلِك سمعنا وأطعنا، ولِهَذا كَانَ عمرُ  يَكرهُ أنْ يُصلِّيَ أهلُه في المَسْجِد، لكنَّه لم يمنعْهن، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَـهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّ‍هِ ﷺ: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّ‍هِ مَسَاجِدَ اللَّ‍هِ».

وفي لفظٍ لمسلم: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّ‍هِ مَسَاجِدَ اللَّ‍هِ»، أتى المُؤَلِّف بِهَذَا اللَّفْظ لفائدتَيْن عَظِيمتَيْن:

أولًا: قال: «إِمَاءَ اللَّ‍هِ»: فمالكُهُـنَّ حقيقةً هـو الله؛ لأنَّهن لسن إِمَاءَكـم، هـن زوجات لكم تستمتعون بهن، لكنَّ مُلْكُهن إِلَى الله .

ثانيًا: «مَسَاجِدَ اللَّ‍هِ»: لا بيوتَكم، فأنتم لم تمنعوهن من بيوتِكم حَتَّى تقولوا: هذا بيتي أتصرف فيه، وامنع مِنه مَن شئت، وأُدخل فيه مَن شِئت؛ المَسَاجِدُ مسَاجد الله،

فكأنَّه يقول: الإِمَاءُ إِمَاءُ الله، والمَسَاجِدُ مسَاجدُ الله؛ فلَيسَ لكم حقٌ في أنْ تمنعوهن.

ولو سَأَلَ سَائِلٌ: هل التَّخَلُّفُ عن صَلَاة الجَمَاعَة كَبِيرَةٌ؟

والجَوَاب: يَحتمل أنْ تَكُونَ مِن كبائر الذنوب، ويَحتمل أنْ تَكُونَ مِن الصَّغائر؛ لكنَّها إِلَى الْكَبائِر أقرب، دون الجزمِ بذَلِك.

لو سأل سَائل: الخطاب في قولِه: «لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» هل هو للمُنافِقين فقط أم للمؤمنين كذَلِك؟

والجَوَاب: لا، الخطاب للمُنافِقين فقط؛ لأنَّ المُؤمِنينَ لا يحتاجون إِلَى ذَلِك، فهم سَوْفَ يأتونَ بدون هَذِهِ.

ولو سَأَلَ سَائِلٌ: هل هُناكَ فرق بين الحَبْو والزَّحف؟

والجَوَاب: هو تقريبًا مثله، لكـنَّ الزَّحفَ قد يَكُـون عَلَى الرُّكَب، كأن يَجْلِس الإِنْسَانُ كأنَّه مُفترِشٌ، ثم يدفع نفسَه معتمدًا عَلَى يَدَيْه.

مِن فَوائِد هَذا الحدِيثِ:

• الفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّه لا يَجُوز للمَرْأَةِ أنْ تخرجَ إِلَى المَسْجِد بغير استئذان زوجها، لِقَوْلِه: «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ»، فإنَّ (إذَا) تدل عَلَى وقوع شرطِها، بخلاف (إنْ) فهي تدخل عَلَى الشَّيء المُحقَّـقِ وغيرِ المُحَقَّـق، و(إِذَا) لا تدخل إلا عَلَى شَيْءٍ مُحَقَّق لكـن لـم يأتِ بعد، فمثلًا: إِذَا قلت: إِذَا قام زيدٌ فَقُمْ.

فقيامُ زيدٍ مُحَقَّق، لكنِّي ربطتُ قيامَكَ بقيامِه.

أمَّا إِذَا قلت: إنْ قام زيدٌ فقم، فَهَذَا غيرُ مُحَقَّق، وَهَذَا هو الفرق بين (إِذَا) وبين (إن)، فقَوْله: «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ» كأنَّ الأَمْرَ أمرٌ ثابت، فلا بُدَّ أنْ تستأذنَ، أي لا يَجُوز للمَرْأَةِ أنْ تخرجَ إِلَى المَسْجِد إلا بإذن زوجِها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّ‍هِﷺ قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ».

• الفَائِدَةُ الثَّانِيةُ: جَوَازُ خُرُوجِ المَرْأَةِ إِلَى المَسْجِد، وجهُ ذَلِك أنَّ الرَّسولَ ﷺ قال: «فَلَا يَمْنَعْهَا»، ولو كَانَ خُرُوجُها إِلَى المَسْجِد حرامًا لوجب عَلَى زوجِها أنْ يمنعَها؛ ولكن قيَّدَ النَّبي ﷺ هذا الجَوَازَ بِقَوْلِه: «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ»، والتَّفِلَة: هي الَّتي لَبِستْ ثيابًا غير جميلة ولم تتطيَّبْ.

• الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ للرَّجلِ الوِلايةَ عَلَى المَرْأَة؛ لأنَّ المَرْأَةَ تستأذنُه، وهو كذَلِك: فـ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّ‍هُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النِّسَاء:٣٤].

• الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّه لو استأذنَتِ المَرْأَةُ زوجَها أنْ تخرجَ إِلَى غيرِ المَسْجِدِ فله أنْ يمنعَها.

ولو سَأَلَ سَائِلٌ: ولكن هل له أنْ يمنعَها مِن صِلةِ رَحِمِها، كأنْ يقول: لا تذهبي إِلَى أُمِّك، لا تذهبي إِلَى أبِيك، لا تذهبي إِلَى أَخِيك، ومَا أَشْبَه ذَلِك؟

والجَوَاب: لا، لَيسَ له أنْ يمنعَها مِن صلةِ الرَّحم؛ لأنَّ صلةَ الرَّحمِ وَاجِبَة، والمنعُ مِن الوَاجِبِ حرام؛ لكـن يُستثنى مِن ذَلِك إِذَا رأى أنَّها إِذَا ذهبت إِلَى أمِها أو أقاربِها أفسدوها علَيْه، كما يوجد مِن بَعْض النَّاسِ، والعياذ بالله!فمِن النَّاس مَن إِذَا رأى عَلاقةً طيبةً بين المَرْأَةِ وزوجِها، حاول إفسَادَ هَذِهِ العَلاقةِ وتعكيرِها، والعجب، أنَّ بَعْضَ الأُمْهات إِذَا رأتْ عَلاقةً طيبةً بين ابنتِها وزوجِها؛ حاولتْ أنْ تُفسدَ بينهما، كأنَّها ضَرَّةٌ لـها! وَهَذَا من البلاء.

وخلاصة الْقَوْل: أنَّه لا يَجُوز للزَّوج أنْ يمنعَ زوجتَه من صلةِ أقاربِها، ما لمْ يَخْشَ إفسَادَهم إياهَا علَيْه.

كما أنه لَيسَ للإِنْسَانِ أن يمنعَ امَرْأَةَ غيرِه؛ لأنَّهُ قال: «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ» فأنا لَيسَ لي حَقٌّ أن أمنعَ امَرْأَةَ جاري، أو امَرْأَةَ قريبٍ، أو مَا أَشْبَه ذَلِك، إلا إِذَا كانتْ لي سلطةٌ ووِلايةٌ عُليا، مثل السُّلطانِ، فلـو كتب مرسومًا بـأنَّ المَرْأَةَ لا تدخلُ المَسْجِدَ، فحِينَئذٍ له أن يمنعَ إِذَا رأى في ذَلِك مفسدةً.

• الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّه لا يَجُوز للرجل أنْ يمنعَ زوجتَه مِن الخُرُوج إِلَى المَسْجِد، لِقَوْلِه: «فَلَا يَمْنَعْهَا»، والأَصْل في النَّهي التَّحريم، ويؤيدُه أنَّ هذا منعُ حقٍّ للغَيْرِ، أي لَيسَ حقَنا حَتَّى نَقُول: لعلَّ النَّهْيَ للكراهة، بل هو مِن حقِّ الغير، فإِذَا منعَه فقد منعَ حقَّ غيرِه، ومَنْعُ حقِّ الغَيْرِ حرامٌ، ويؤيد ذَلِك قَوْله: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّ‍هِ مَسَاجِدَ اللَّ‍هِ».

• الفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: شِدَّةُ غَيْرةِ عبدِ اللَّ‍هِ بنِ عُمَرَ عَلَى حديثِ رَسُولِ اللَّ‍هِ ﷺ، وأنَّه عندَه فوقَ كلِّ كَلَام، إلا كَلَامَ اللَّ‍هِ، وذَلِك لأنَّه غَضِبَ عَلَى ابنِه مِن أجلِ معارضتِه للحديث.

• الفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: وُجُوبُ استعمالِ الأدبِ مع كَلَامِ رَسُولِ اللَّ‍هِ ﷺ، ووجهُ الدَّلالةِ إنكارُ عبدِ الله بنِ عمر عَلَى ابنِه، وسَبُّهُ إياهُ سبًّا لم يَسُبَّه مثلَه قط، ومَعْلُومٌ أنَّ سبَّ الأقاربِ مِن قطيعةِ الرَّحِم، لكـنْ لـمَّا كَانَ هنا للتَّأديبِ؛ صار جائزًا، بل قد يَكُون وَاجِبًا.

• الفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّه لا يَجُوز أنْ نمنعَ إماءَ اللَّ‍هِ بيتًا مِن بُيوتِ الله؛ لِقَوْلِه: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّ‍هِ مَسَاجِدَ اللَّ‍هِ»، وقد ذكرنا أنَّ في هذا إِشَارَةً إِلَى أنَّ المَرْأَةَ ليستْ أَمَتَكَ؛ بل هي أَمَةُ اللَّ‍هِ مملوكةٌ له، والمَسْجِدُ لَيسَ بَيْتَكَ حَتَّى تمنعَها مِنه؛ بل هو بيتُ اللَّ‍هِ فلا وجه لمنعِك إطلاقًا.

فإن قال قَائِلٌ: إِذَا اخْتَلَفَ الزَّمانُ فهل تختلفُ الفَتْوى؟

نقول: أمَّا إِذَا كَانَتِ العِلَّةُ منصوصةً، فمن المَعْلُوم أنَّها إِذَا تخلَّفتْ وجبَ تَخَلُّفُ الحُكم، أمَّا إِذَا كانتْ مُسْتَنْبَطةً، فَهَذَا قد يُخَصَّصُ بالعِلَّةِ المُضادة، فمثلًا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ»، هَذِهِ العِلةُ منصوصةٌ لو تناجى اثنانِ دونَ الثَّالث؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ ذَلِك لا يحزنُه، أيَجُوز أو لا؟

والجَوَاب: نعم يَجُوز، فهنا اخْتَلَفَ الحكمُ لاخْتِلَاف العِلةِ المنصوصة، أمَّا إِذَا كانتْ مُستنبَطةً فقد يُقالُ: إنَّ الأَوْلَى الإبقاءُ عَلَى اللَّفظِ، فهنا نَقُول: إنَّ النَّبي ﷺ نهى عن منعِها.

فإِذَا اخْتَلَفَ الزَّمان، وفسدتِ الأَحْوَال، وصَارَتِ المَسْأَلَةُ عُرضةً للفِتنةِ فهل نمنعُها؟

والجَوَاب: يَحتملُ أنْ نمنعَها بِناءً عَلَى أنَّ الشَّرعَ جاءَ بجلبِ المصالحِ ودفعِ المَضَار، ويَحتملُ أنْ لا نمنعَها ما لمْ نَرَ شيئًا بأعينِنا؛ أمَّا إِذَا رأينا شيئًا بأعينِنا، كأنْ رأينا المَرْأَةَ تخرجُ غيرَ مبالية، ولا تخرج تَفِلة، أو وجدنا أنَّ الفُسَاقَ يُلاحِقون النِّسَاء، فهنا لا بَأْسَ أنْ نمنعَها؛ لأنَّ هذا شَيْء محققٌ، ودَرْءُ المَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ المَصَالِحِ.

• الفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنَّ الرَّجلَ له أن يمنعَ زوجتَه من الخُرُوجِ إِلَى غير المَسْجِد، والفرقُ بين المَسْجِد وغيره، أنَّ المَسْجِدَ رُبَّما تسمعُ ذِكرًا أو موعظةً فتستفيدَ، وأما غير المَسْجِدِ فالغالبُ أنْ لا فَائِدَة منه.

لو قال قَائِلٌ: هل تلحقون المَدَارِس بالمَسَاجِد أو بغيرها بمَعْنَى هل للإِنْسَان أن يمنعَ زوجتَه من الدِّراسة أو لا؟

نَقُول: إن كَانَ اشتُرطَ علَيْه عند العَقْدِ أن تُكْمِلَ الدِّراسةَ فإِنَّه لا يَجُوزُ أن يمنعَها؛ لِقَوْلِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:١]، وَهَذَا الرجلُ دخل عَلَى أنَّ المَرْأَة تُكْمِلُ الدِّراسةَ فلا يُمْكِنُ أن يمنعَها من إكمالِ دراستها.

وإنْ كَانَ لم يُشْتَرَطْ علَيْه عند العَقدِ أن تخرجَ لتُكْمِلَ دراستَها فلهُ أن يمنعَها؟ نعم له أن يمنع، والظَّاهِرُ أنَّ المَدَارِسَ حُكمهنَّ حُكْمُ بقية الأمكنة بخلاف المَسَاجِد.

• الفَائِدَةُ العَاشِرَةُ: بيانُ علةِ الحُكْمِ في تعبيرِ النَّبِيِّ ﷺ: «إمَاء اللَّ‍هِ مسَاجدَ اللَّ‍هِ»، وجه ذَلِك أنه إِذَا كَانَتِ النِّسَاءُ إماءً لله، والمَسَاجِدُ بيوتًا لله، فلَيسَ لأحد أن يتدخلَ بينهن وبين المَسَاجِد التي لله.

وقَوْله: «إمَاء اللَّ‍هِ مسَاجدَ اللَّ‍هِ«، هَذِهِ إضافة، فهل لله إمَاءٌ؟ وهل لله مسَاجدُ؟ الجَوَاب: الإضافة هنا من باب التكَرِيمِ والعنايةِ، وإلا فمن المَعْلُوم أن لله مُلك السَّموَات والأَرْض، ولَيسَ الإماءُ فقط، ومن المَعْلُوم أيضًا أنَّ المَسَاجِد لله لعِبادَةِ الله ليست لله نفسِه، ولكن هَذِهِ الإضافة من باب التكريمِ والتشريفِ للمسَاجد.في بَعْض ألفاظ هَذَا الحَدِيث، لكن في غير (الصَّحِيحين)، قال: «وبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَـهُنَّ»، ويُستفادُ من هذا أنَّ المَرْأَةَ كُلَّما كَانَتْ في بيتها، فهو أفضلُ، حَتَّى لو قالت: أنا أريدُ أن أخرجَ إِلَى المَسْجِدِ لأصليَ مع الجَمَاعَةِ، قُلْنَا لـها: إن صَلَاتَكِ في بيتكِ أحسنُ وأفضلُ؛ لأنَّهُ كُلَّما بَعُدت المَرْأَةُ عَنِ الاختلاطِ بالرِّجَال كَانَ ذَلِك أبعدَ عَنِ الفِتنةِ.

----------------------------

مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٧٦).

كتاب الصَّلاة، باب خروج النِّساء إلى المساجد إذا لم يترتب علَيْه فتنة، رقم (٤٤٢).

كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النِّساء والصبيان وغيرهم، رقم (٨٥٨)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب خروج النِّساء إلى المساجد إذا لم يترتب علَيْه فتنة، رقم (٤٤٢).

كتاب صفة الصَّلاة، باب انتظار النَّاس قيام الإمام العالم، رقم (٨٣١)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب خروج النِّساء إلى المساجد إذا لم يترتب علَيْه فتنة، رقم (٤٤٥).

كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النِّساء والصبيان وغيرهم، رقم (٨٥٨)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب خروج النِّساء إلى المساجد إذا لم يترتب علَيْه فتنة، رقم (٤٤٢).

كتاب صفة الصَّلاة، باب انتظار النَّاس قيام الإمام العالم، رقم (٨٣١)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب خروج النِّساء إلى المساجد إذا لم يترتب علَيْه فتنة، رقم (٤٤٥).

كتاب النكاح، باب لا تأذن المرأة في بيتها لأحد إلا بإذنه، رقم (٤٨٩٩).

كتاب الاستئذان، باب لا يتناجى اثنان دون الثالث، رقم (٥٩٣٠)، ومسلم: كتاب السلام، باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه، رقم (٢١٨٣).

أخرجه أبو داود: كتاب الصَّلاة، باب ما جاء في خروج النِّساء إلى المَسْجِد، رقم (٥٦٧)..

المصدر :شرح عمدة الاحكام - ابن باز / كتاب الصلاة / باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها /حديث رقم:65

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)