عبارة "فَتْرَ الوحي" تُشير إلى الفترة التي انقطع فيها الوحي عن النبي محمد ﷺ بعد أول نزول له، أي بعد أن نزل عليه الوحي لأول مرة في غار حراء بسورة "اقرأ"، ثم توقف لفترة قبل أن يعود النزول مرة أخرى.
شرح العبارة: "فَتْرَ الوحي"
-
"فَتْرَ": من الفعل "فَتَرَ"، ويعني سكن، هدأ، أو انقطع بعد استمرار.
يُقال: "فَتَر الشيء" أي: توقف بعد نشاط. -
"الوحي": هو ما ينزله الله تعالى على أنبيائه من وحيٍ وهداية وتعاليم، عن طريق الملك جبريل عليه السلام أو غيره من وسائل الإيحاء.
إذن، عبارة "فتر الوحي" تعني:
الانقطاع المؤقت لنزول الوحي على النبي محمد ﷺ بعد أن بدأ نزوله عليه لأول مرة.
المعنى العام للعبارة:
عندما يُقال: "في فتور الوحي" أو "بعد فتر الوحي"، المقصود هو تلك الفترة الزمنية القصيرة التي لم ينزل فيها شيء من القرآن على النبي ﷺ بعد أول وحي، والتي شعر فيها النبي ﷺ بالحزن والقلق، حتى عاد الوحي مرة أخرى ليطمئنه.
ماذا حصل في فتور الوحي؟
في فتور الوحي، وقعت أحداث مؤثرة وعميقة في حياة النبي ﷺ، وهي من اللحظات التي تُظهر صدق نبوته، وقوة إيمانه، وتهيئة الله له لتحمُّل الرسالة العظيمة. إليك ما حصل بالتفصيل:
ما الذي حصل في فتور الوحي؟
بعد أن نزل جبريل عليه السلام على النبي محمد ﷺ في غار حراء بسورة "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، بدأ بذلك نزول الوحي لأول مرة، وبدأت الرسالة.
لكنه بعد هذا النزول الأول توقف الوحي فجأة، ولم يُنزل الله شيئاً جديداً من القرآن على النبي ﷺ، ولم يعد جبريل، وذلك لفترة من الزمن.
مدة فتور الوحي:
-
لا توجد مدة ثابتة قاطعة، لكن ورد في بعض الروايات:
-
أنه استمر أيامًا.
-
وقيل أربعين يومًا.
-
وقيل أشهرًا، والله أعلم بالصواب.
-
كيف كانت مشاعر النبي ﷺ؟
-
شعر بالحزن الشديد والقلق، وكان يتساءل: هل حصل منه شيء أغضب الله؟ هل انقطعت الرسالة؟
-
أشتد عليه الشوق لجبريل وللكلام من الله تعالى.
-
ورد في بعض الروايات أن النبي ﷺ كان يصعد الجبال ويتأمل، لكنه لم يهمّ بإيذاء نفسه كما زعمت بعض الروايات الضعيفة.
عودة الوحي بعد الفتور:
-
عاد جبريل عليه السلام، ونزل على النبي ﷺ بوحي جديد، وكان أول ما نزل بعد الفتور هو:
"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ..."
[سورة المدثر، الآيتان 1-2]
وهنا بدأ النبي ﷺ في تبليغ الرسالة والدعوة الجهرية.
-
ثم نزلت أيضًا سورة الضحى بعد فترة قصيرة، تحمل في طيّاتها تطميناً وحناناً من الله لنبيه ﷺ:
"مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى"
أي: ما تركك ربك، وما أبغضك.
ما الحكمة من فتور الوحي؟
-
تهيئة نفسية للنبي ﷺ: ليشعر بعظمة ما أُنزل عليه، ويشتاق للوحي.
-
اختبار صبره ﷺ وثباته.
-
لفت الانتباه إلى أن نزول الوحي ليس بأمر النبي، بل بأمر الله وحده.
-
تدريب على التحمّل والانتظار والثقة بالله.
أقوال العلماء عن فتور الوحي:
أقوال العلماء عن فتور الوحي:
1. ابن حجر العسقلاني (في فتح الباري):
قال:
"واختلف العلماء في مدة انقطاع الوحي عن النبي ﷺ بعد أول نزول، فقيل: كانت أياماً، وقيل: أربعين يوماً، وقيل: أقل أو أكثر، ولم يصحّ منها شيء."
🔹 وعلّق أن الحكمة من هذا الانقطاع تهيئة النبي ﷺ وتثبيته، وتعظيم شأن الوحي عنده، ليشتاق إليه ويشعر بثقله وأثره.
2. النووي (في شرح صحيح مسلم):
قال:
"كان انقطاع الوحي لحكمة، منها تفريغ النبي ﷺ للتأمل فيما نزل عليه، وليعلم أن الوحي ليس بأمر منه بل هو أمر إلهي محض."
🔸 وأشار إلى أن هذا الفتور لم يكن انقطاعاً تامًّا للعناية الإلهية، بل هو انقطاع للرسالة فقط، دون انقطاع الرحمة والحفظ.
3. القاضي عياض (في الشفا):
قال:
"في فتور الوحي دليل على عظيم منزلة النبوة، وأنها ليست من كسب البشر، وإنما هي اصطفاء واختيار من الله."
🔹 وعلّق على الروايات التي ورد فيها أن النبي ﷺ حزن حزنًا شديدًا، بأنها من دلائل صدقه ﷺ، لأنه لم يكن يدّعي شيئًا من نفسه.
4. ابن تيمية (في مجموع الفتاوى):
قال:
"فتور الوحي بعد المرة الأولى فيه حكمة عظيمة، لأنه لو استمر الوحي مباشرة لربما فُهم أنه حالة نفسية تتكرر، لكن بانقطاعه ثم عودته ثبت أنه من عند الله."
🔸 وهذا فيه ردّ على المشككين الذين زعموا أن الوحي مجرد خيال أو وهم.
5. القرطبي (في تفسيره):
قال:
"سورة الضحى نزلت بعد فترة الوحي، وفيها ردّ على من قال إن الله قلى محمداً ﷺ، فبيّن الله عز وجل أنه ما ودّعه وما قلاه، وهذا من أبلغ ما يكون في التطمين."
خلاصة أقوال العلماء:
-
المدة غير محددة بدقة، لكنهم متفقون على أنها كانت فترة مؤثرة نفسياً وتربوياً في حياة النبي ﷺ.
-
الحكمة منها عظيمة: لتهيئة النبي، وتثبيت صدق الوحي، وتوضيح أنه ليس من صنع البشر.
-
القرآن ردّ بنفسه على كل شبهة، خاصة في سورة الضحى.