الدعوة السرية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
عندما بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، لم يبدأ دعوته على الملأ مباشرة، بل اتخذ سبيل السرية مرحلة أولى من مراحل التبليغ، استمرت لثلاث سنوات تقريبًا. وكان ذلك لحكمة عظيمة تتعلق بطبيعة المجتمع المكي آنذاك، وواقع الناس فيه، وضرورة التمهيد لنشر الدين بطريقة تحفظ على الدعوة استمراريتها وأمن أتباعها الأوائل.
أسباب الدعوة السرية في بداية الإسلام
عندما بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة، لم يُجاهر بالدعوة إلى الإسلام منذ اللحظة الأولى، بل اختار أن يبدأ المرحلة الأولى من تبليغ الرسالة بطابع سريّ، استمر لثلاث سنوات. ولم يكن هذا الأسلوب وليد الصدفة، بل كان نابعًا من حكمة نبوية عظيمة، وقراءة واقعية دقيقة لطبيعة المجتمع المكي وظروف الزمان والمكان. وتُعد أسباب الدعوة السرية من المحطات الأساسية لفهم سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتُبرز بُعد نظره صلى الله عليه وسلم في إدارة المراحل الأولى من الدعوة.
شدة العداء المتوقع من قريش
منذ اللحظات الأولى التي بدأ فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الإسلام، كان واضحًا أن قريشًا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الدعوة التي تهدد هيبتها ووجودها الاجتماعي والاقتصادي في مكة. فقد كانت مكة آنذاك مركزًا اقتصاديًا ودينيًا، وكانت قريش هي المسيطرة على الكعبة والأنشطة التجارية المرتبطة بها، واعتبرت الدعوة الإسلامية تحديًا مباشرًا لمكانتها وحكمتها في المنطقة.
المصالح الاقتصادية والدينية لقريش
في البداية، كان العداء لقريش موجهًا من منطلق الحفاظ على المصالح الاقتصادية والدينية. فإعلان النبي صلى الله عليه وسلم عن التوحيد، ونبذ الأصنام التي كانت تعبد من دون الله، كان تهديدًا مباشرًا للعديد من المصالح التي كانت قريش تكتسبها من الحج والتجارة المرتبطة بوجود الأصنام في الكعبة، فضلاً عن السلطة الدينية التي كانت تستمدها من مكانتها في مكة كمقدس ديني.
مقاومة قريش للإسلام، عداء قريش للنبي، معارضة قريش للدعوة الإسلامية
ردود فعل قريش الأولى
عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة علنًا، كانت ردود فعل قريش عنيفة، فقد شعروا أن الإسلام يشكل تهديدًا وجوديًا. فمع ظهور التوحيد والرسالة النبوية، بدأت قريش في اتخاذ عدة خطوات لمواجهة الدعوة، ومنها:
-
الضغط الاجتماعي: كانت قريش تستخدم التهديدات الاجتماعية لمحاولة إخضاع الصحابة الجدد، مثل التهديد بالهجرة، التهديد بالطلاق، أو حتى التهديد بالعنف الجسدي.
-
التشويه الإعلامي: كما استعملت قريش أساليب التشويه الإعلامي، فاتهمت النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون، والسحر، والكذب، ليبثوا الشكوك في قلوب الناس.
التعذيب والعنف ضد المسلمين
مع ازدياد أعداد المسلمين، بدأت قريش في استخدام أساليب القهر والعنف ضد من أسلموا. فقد مارسوا التعذيب على الصحابة الضعفاء، مثل بلال بن رباح وأمينة بنت عبد الله وسَعِيد بن زيد، وغيرهم من الصحابة الذين تعرضوا للتعذيب البدني والنفسي.
تعذيب الصحابة، مقاومة قريش للمسلمين، أذى قريش للصحابة
أبو طالب وحماية النبي صلى الله عليه وسلم
ومع تصاعد العداء، حاول أبو طالب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، أن يخفف من شدة العداء الذي يواجهه ابن أخيه. فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه معارضة قريش بشكل مباشر، كان أبو طالب يُقدّم له الحماية الاجتماعية، حتى لا يُقتل أو يُطرد من مكة. ولكن مع ازدياد الضغوط، بدأ أبو طالب في التأثير المحدود، رغم دفاعه عن النبي.
العداء الفكري والديني
لم تقتصر مقاومة قريش على القهر والضغط، بل كان هناك أيضًا عداء فكري، حيث رفضت الطبقة القريشية الحاكمة والمفكرين الدينيين من المشركين أن يُقبلوا الإسلام، باعتباره تهديدًا لثقافتهم القائمة على الوثنية والعبادات التي يعتقدون فيها. كما كانت الطبقة القريشية الحاكمة ترى في الدعوة الإسلامية تهديدًا لنفوذها الاجتماعي والسياسي.
لقد كانت شدة العداء المتوقع من قريش، بداية لمرحلة من الصراع العنيف بين الإسلام والجاهلية. وكان هذا العداء جزءًا من اختبار عظيم، تميز فيه صبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وثباتهم على الحق. ورغم الضغوط الكبيرة والاضطهاد الذي تعرض له المسلمون، فإن الدعوة الإسلامية قد نجحت في تحقيق انتصار روحي ومعنوي، فالدعوة كانت أعمق من مجرد صراع ديني، بل كانت صراعًا من أجل تغيير المجتمع الإنساني نحو التوحيد والعدالة والرحمة.
قلة عدد المسلمين وضعفهم في بداية الإسلام
من أبرز التحديات التي واجهت الدعوة الإسلامية في مراحلها الأولى كانت قلة عدد المسلمين وضعفهم، فالإسلام بدأ كدعوة فردية لا تحمل في بدايتها سوى قلب واحد، ثم انتشرت تدريجيًا عبر الأفراد الذين أسلموا في الخفاء، دون قوة مادية أو دعم جماعي. كان هذا الضعف ملموسًا في مختلف الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية، مما جعل الدعوة تواجه صعوبات هائلة في مواجهة العداء الذي أظهرته قريش وأعداء الإسلام.
قلة عدد المسلمين في المرحلة المكية
في بداية الدعوة، لم يكن عدد المسلمين كبيرًا، بل كان قليلًا جدًا. فقد أسلم في البداية فقط أفراد من العائلة والأصدقاء المقربين، مثل أبو بكر الصديق، و عثمان بن عفان، و علي بن أبي طالب، و زيد بن حارثة. بالإضافة إلى هؤلاء الأوائل، أسلم أيضًا بلال بن رباح، و أمينة بنت عبد الله، و عبد الله بن مسعود وغيرهم من الضعفاء والمستضعفين في مكة.
وكانت الدعوة تسير بشكل سري جدًا، حيث كان المسلمون الجدد يلتقون في دار الأرقم بن أبي الأرقم، خوفًا من الانتقام والاضطهاد من قريش.
قلة عدد المسلمين، ضعف المسلمين في مكة، مرحلة الإسلام السرية
التحديات الاجتماعية والاقتصادية
في ظل هذا الضعف، كان المسلمون يواجهون تحديات اجتماعية هائلة، أبرزها الاستضعاف والاضطهاد. كانت قريش تستخدم التعذيب النفسي والجسدي لتثني المسلمين عن دينهم، حيث تعرض الصحابة الأوائل للعديد من الأذى، مثل بلال بن رباح الذي عذبوه بالحرارة الشديدة في الصحراء، وجعلوه يقف تحت الصخرة الثقيلة، فكان يتعرض للألم الشديد بسبب إيمانه. وفي المقابل، كان المشركون يمتنعون عن التعامل مع المسلمين اقتصاديًا، فكان المسلمون الجدد يعانون من الفقر والحرمان، بينما كانت قريش تنعم بمكانة اقتصادية ودينية قوية.
ضعف المسلمين عسكريًا
من أبرز مظاهر ضعف المسلمين في تلك المرحلة هو العجز العسكري، حيث لم يكن للمسلمين قوة دفاعية ولا جيش قادر على مواجهة قريش. كانت الرحلة التجارية لقريش تعتمد على قوتها العسكرية، في حين كان المسلمون لا يمتلكون سوى الإيمان والتوكل على الله. هذا الوضع جعلهم في موقع ضعف شديد في وجه المقاومة الشرسة من قبل قريش، التي كانت تملك نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا في مكة.
صبر الصحابة وثباتهم رغم الضعف
ورغم هذا الضعف الكبير، فإن إيمان الصحابة كان هو القوة الحقيقية التي ساعدتهم على الصمود أمام كافة الصعوبات. على الرغم من اضطهاد قريش، حافظ الصحابة على إيمانهم وثباتهم على المبادئ التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كان هذا الصبر والثبات على الحق من أبرز ما ميز المسلمين الأوائل، وقد أُثِيرت العديد من قصص التضحية والإيمان، مثل قصة عمار بن ياسر وعائلته التي واجهت تعذيبًا شديدًا في سبيل الله.
لقد كانت قلة عدد المسلمين وضعفهم في بداية الدعوة الإسلامية من أبرز التحديات التي واجهها المسلمون في مكة. ومع ذلك، فقد أظهر الصحابة الكرام قوة إيمانهم وثباتهم على المبادئ، وصبرهم رغم شدة المحن والابتلاءات. وعلى الرغم من ضعفهم المادي والعسكري، إلا أن قوة العقيدة التي حملوها في قلوبهم كانت هي القوة التي دفعهم نحو النجاح في نشر الدعوة رغم كل الصعوبات التي واجهوها من قريش وغيرها من أعداء الإسلام.
في بداية الإسلام، لم يكن هناك جيش أو دولة أو قوة تحمي الدعوة أو أهلها، بل كان المسلمون أفرادًا قلائل متفرقين، أغلبهم من المستضعفين والفقراء والعبيد، كبلال بن رباح وعمار بن ياسر وصهيب الرومي رضي الله عنهم. وكان من الحكمة أن يُربّوا على الإيمان، ويترسخ التوحيد في قلوبهم، دون تعريضهم للخطر المباشر.
توفير بيئة آمنة لتكوين نواة المجتمع المسلم
من التحديات الكبيرة التي واجهت الدعوة الإسلامية في مرحلتها المكية كانت التعرض للاضطهاد والتهديدات المتكررة من قبل قريش وأعداء الإسلام. لذلك كان من الضروري على النبي محمد صلى الله عليه وسلم توفير بيئة آمنة للمسلمين كي يتمكنوا من التماسك والتطور، مما يساعد في تكوين نواة المجتمع المسلم الذي سيحمل رسالة الإسلام في المستقبل. وقد ظهرت البيئة الآمنة من خلال عدة مراحل، بدءًا من المرحلة السرية وصولًا إلى الهجرة إلى المدينة.
1. حماية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على حماية الصحابة الأوائل الذين تعرضوا للاضطهاد من قبل قريش، فلم يكن يستطيع الصحابة في بداية الدعوة العيش بحرية أو ممارسة شعائرهم الدينية. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى لتوفير السلامة النفسية والروحية لهم، ويحفزهم على الثبات والصبر أمام كل المحن. كان يأمرهم بالصبر على الأذى، كما ذكر في قوله تعالى: "وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا" (المزمل: 10).
2. الهجرة إلى الحبشة: البحث عن ملاذ آمن
في ظل التهديدات المتزايدة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الصحابة إلى الحبشة، حيث كان الملك النجاشي يحكم، وهو معروف بعدله وحرصه على حقوق الإنسان. وبهذا أصبح الصحابة في الحبشة قادرين على العيش بحرية، ولم يواجهوا أي نوع من أنواع الاضطهاد الذي كان يعانون منه في مكة. كانت الهجرة إلى الحبشة خطوة هامة نحو توفير بيئة آمنة للمسلمين، وبداية لبناء مجتمع مسلم في مكان بعيد عن المخاطر المباشرة.
الهجرة إلى الحبشة، حماية الصحابة، توفير بيئة آمنة
3. الهجرة إلى المدينة: تأسيس المجتمع المسلم
بعد تزايد العداء والتهديدات من قريش، جاء أمر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة. كانت المدينة هي الملاذ الآمن الذي سيمكن المسلمين من الاستقرار والعيش في أمان. في المدينة، تم تكوين نواة المجتمع المسلم بشكل منظم، حيث أسس النبي صلى الله عليه وسلم دولة إسلامية تقوم على أسس التوحيد والعدل، وبدء الصحابة في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم الميثاق المدني الذي ضم العديد من القبائل والمجتمعات مع المسلمين، ما جعل المدينة نقطة انطلاق للإسلام.
4. بناء القيم والتعاون بين المهاجرين والأنصار
من أبرز مظاهر تكوين نواة المجتمع المسلم في المدينة كان التعاون بين المهاجرين والأنصار. فقد قدم الأنصار الذين كانوا أهل المدينة الدعم الكامل للمهاجرين الذين تركوا أموالهم وأسرهم وراءهم في مكة. هذا التعاون كان أساسًا لتشكيل المجتمع المسلم المتماسك، حيث أصبح الولاء لله ولرسوله هو المبدأ الذي يربط المسلمين بعضهم ببعض.
5. الصلاة والمجالس العلمية: تطوير المجتمع
في المدينة، بدأ المسلمون في تنظيم الصلوات بشكل جماعي في المساجد، وأصبح المسجد مركزًا لتعليم القرآن الكريم والحديث النبوي. كما أسس النبي صلى الله عليه وسلم المجالس العلمية التي كانت توفر بيئة تعليمية للمسلمين حول الإسلام. كان هذا كله جزءًا من بناء المجتمع المسلم في المدينة، مما ساعد على تقوية الهوية الإسلامية وتعميق الإيمان في قلوب الصحابة.
إن توفير بيئة آمنة كان من الضروريات لتكوين نواة المجتمع المسلم. بدأت هذه البيئة بالتدرج من المرحلة السرية في مكة، مرورًا بـ الهجرة إلى الحبشة، ثم الهجرة إلى المدينة، حيث بدأ المجتمع المسلم في النمو والازدهار في بيئة آمنة تدعم التوحيد وتعمل على تقوية الروابط بين المسلمين. وقد أظهرت هذه المراحل أن بناء المجتمع لا يكون مستدامًا إلا في بيئة آمنة تقوم على العدل والحرية في ممارسة الشعائر الدينية.
حماية الدعوة نفسها من الإجهاض المبكر
من اللحظات الأولى التي بدأ فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوته إلى الإسلام، كان هناك تحدي كبير يتمثل في حماية الدعوة من الإجهاض المبكر، إذ كان من المتوقع أن تواجه الدعوة الإسلامية مقاومة شرسة من قريش وبقية قوى الجاهلية التي كانت تخشى من التأثيرات التي قد تحدثها هذه الدعوة على المجتمع المكي والعالمي. وقد كانت الدعوة الإسلامية في مراحلها الأولى في موقفٍ بالغ الحساسية، إذ كان المسلمون قلة مستضعفين، ليس لهم قوة مادية ولا دعم اجتماعي. لذلك، كان من الضروري اتخاذ تدابير استراتيجية لحماية الدعوة من الانطفاء المبكر، واستمرارها رغم التحديات التي واجهتها.
1. الدعوة السرية في البداية: حماية المبادئ
من أبرز الإجراءات التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم في حماية الدعوة كانت البداية السرية للدعوة. فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة الأفراد المقربين في البداية، مثل أبي بكر الصديق و علي بن أبي طالب و عثمان بن عفان. وكان هذا خطوة حكيمة لحماية الدعوة من الانكشاف المبكر، وبالتالي تجنب ردود الفعل العنيفة من قريش. فمع التقليل من دائرة المعرفة بالدعوة في البداية، كانت الدعوة تتوسع تدريجيًا دون أن تُواجه بالهجوم العنيف.
2. حماية الدعوة من الاختراقات والتشويه
من التحديات التي واجهت الدعوة الإسلامية في بداية مسيرتها كانت محاولات قريش لتشويه صورة الدعوة عبر الشائعات والاتهامات الزائفة. فمع ازدياد عدد المسلمين، عملت قريش على نشر الإشاعات حول النبي صلى الله عليه وسلم، فاتهمته بالسحر والجنون. وكان من الضروري للنبي صلى الله عليه وسلم الحفاظ على نزاهة الدعوة وحمايتها من هذه الحملات التي كانت تهدف إلى إضعاف مصداقية الدعوة وإيقاف انتشارها. لذلك، كان التواصل المباشر مع الناس والقيام بالدعوة بأسلوب هادئ ومتزن من وسائل حماية الدعوة من التشويه الإعلامي.
3. بناء شبكة دعم اجتماعي: المهاجرون والأنصار
من أبرز طرق حماية الدعوة كانت بناء شبكة من الدعم الاجتماعي بين المسلمين، لا سيما بعد الهجرة إلى المدينة. فقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ التعاون والتكافل الاجتماعي بين المهاجرين من مكة والأنصار من المدينة. وبهذا الشكل، أصبح المسلمون في المدينة يشكلون مجتمعًا قويًا قادرًا على حماية الدعوة من أي محاولة لإجهاضها. وقد كان هذا الدعم المشترك بمثابة حصن منيع ضد أي محاولات للقضاء على الإسلام.
4. الهجرة إلى الحبشة: الوقاية من الاضطهاد
من الخطوات المهمة التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم في حماية الدعوة كانت الهجرة إلى الحبشة. فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الصحابة بالهجرة إلى الحبشة بحثًا عن ملاذ آمن من اضطهاد قريش. وقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى حماية الدعوة من الإجهاض المبكر عبر تشتيت الصحابة في أماكن بعيدة عن مكة، ليتمكنوا من العيش بسلام دون أن يتعرضوا للاعتداءات المستمرة من قريش. هذا كان إجراء احترازيًا لحماية الدعوة واستمرارها.
حماية الدعوة من الإجهاض المبكر، الهجرة إلى الحبشة، صمود الدعوة في مكة، دعم الدعوة الإسلامية
5. الدعوة بالصبر والتضحية: الثبات على المبدأ
من الوسائل الهامة في حماية الدعوة كانت الدعوة بالصبر والتضحية. كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الدعوة لا تأتي بسهولة، وأن النجاح يحتاج إلى وقت طويل وتضحيات عظيمة. لذا، كان يوجه الصحابة إلى الصبر على الأذى والثبات على المبدأ رغم كل الظروف الصعبة. وقد كانت التضحيات التي قدمها الصحابة الأوائل، مثل بلال بن رباح و عمار بن ياسر، بمثابة علامات من الصمود التي جسدت حماية الدعوة.
إن حماية الدعوة الإسلامية من الإجهاض المبكر كانت تتطلب تدابير استباقية على جميع الأصعدة. من خلال البداية السرية، ثم التشتيت الجغرافي عبر الهجرة، وصولًا إلى بناء شبكة دعم اجتماعي بين المهاجرين والأنصار، وكذلك عبر الدعوة بالصبر والتضحية، تمكّن المسلمون من حماية الدعوة في مراحلها المبكرة، رغم التحديات الهائلة التي واجهوها. وقد شكلت هذه الإجراءات أساسًا لنجاح الدعوة في انتشارها واستمرارها على مر العصور.
تربية الصف المسلم على الصبر والثبات
من المبادئ الأساسية التي زرعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في نفوس الصحابة الأوائل هي تربية الصف المسلم على الصبر والثبات. فالصبر على البلاء والثبات على المبدأ كانا من أسس بناء المجتمع المسلم في بدايات الدعوة الإسلامية. كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أن المحن والتحديات ستكون جزءًا لا يتجزأ من مسار الدعوة، ولذلك كانت تربية الصحابة على الصبر إحدى أولويات الدعوة في مرحلة مكة، حيث واجه المسلمون ألوانًا من الاضطهاد والعنف.
1. تعليم الصحابة الصبر على الأذى
في بداية الدعوة، تعرض المسلمون لأقسى أنواع الاضطهاد من قريش، وكان هذا الاضطهاد يهدف إلى إيقاف الدعوة. لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربي الصف المسلم على أن الصبر في مواجهة الأذى هو الطريق إلى النصر. عندما تعرض الصحابي بلال بن رباح للتعذيب الشديد، كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد له: "إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ". هذا التحفيز من النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الصحابة يدركون أن التضحية والصبر على الأذى سيقودهم إلى النصر والتمكين.
2. الصبر في مواجهة الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي
كان المسلمون الأوائل يعيشون في معاناة شديدة، فقد كانوا مقاطعين اجتماعيًا من قبل قريش، لا يستطيعون العمل أو التعامل مع المجتمع المكي. في مواجهة هذه المحن، كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجههم إلى الصبر على الفقر والحرمان، مشيرًا إلى أن الله تعالى سيجزي الصابرين. هذا الصبر كان يُعتبر شهادة إيمان ووسيلة لتقوية الرابط بين المؤمنين، حيث كانوا يجدون في بعضهم البعض الدعم والتشجيع على الثبات.
3. الثبات على المبدأ أمام إغراءات قريش
أحد أكبر الاختبارات التي مر بها الصحابة كان عندما عرضت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم إغراءات مالية وسياسية مقابل ترك الدعوة أو تعديل بعض مبادئها. كان هذا اختبارًا للثبات على المبدأ، حيث طلبت قريش أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم دعوته مقابل المال والسلطة. لكن ثبات النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رفض جميع العروض المغرية، كان بمثابة درس عظيم للمسلمين في الثبات على الحق مهما كانت المغريات. هذا الثبات جعل الصحابة يدركون أن الحق لا يضيع وأن الدعوة لا يمكن أن تُهزم مهما كانت الضغوط.
4. تدريب الصحابة على الصبر في مواجهة الحروب والمعارك
مع تطور الدعوة وانتقال المسلمين إلى المدينة، بدأ المسلمون يواجهون التحديات العسكرية. في غزوات مثل غزوة بدر و غزوة أحد، كانت الصبر والثبات من العوامل الأساسية التي جعلت المسلمين يقاومون الأعداء بثبات. على الرغم من أن المسلمين كانوا في الغالب قليلين في العدد مقارنة بعدوهم، إلا أن إيمانهم بالله و ثباتهم على المبدأ كان هو القوة الحقيقية التي مكنتهم من التغلب على الصعاب.
5. الصبر على الابتلاءات الشخصية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه الصحابة أيضًا إلى الصبر على الابتلاءات الشخصية، مثل وفاة الأحبة أو الأمراض. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحلى بأعلى درجات الصبر في مواجهته لأصعب الابتلاءات، وأهمها وفاة زوجته خديجة و عمّه أبو طالب. على الرغم من الحزن الكبير الذي ألمَّ به، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مثالًا حيًا للصبر الذي يتطلبه الصف المسلم في مواجهة المصائب.
6. أهمية تربية الصف المسلم على الثبات في الدعوة
إن تربية الصف المسلم على الثبات كانت أساسًا لبقاء الدعوة وانتشارها. فبدون الصبر على الأذى، و الثبات في مواجهة المحن، لما استطاع المسلمون أن يحققوا ما وصلوا إليه من عزة و تمكين في الأرض. كان النبي صلى الله عليه وسلم يعزز روح الجماعة بين الصحابة، ويشجعهم على أن يتكاتفوا معًا في مواجهة التحديات.
تعتبر تربية الصف المسلم على الصبر والثبات من أهم أسس نجاح الدعوة الإسلامية في مراحلها الأولى. لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم صحابته أن الصبر هو الطريق إلى النصر، وأن الثبات على المبدأ لا يتوقف عند مرحلة معينة، بل هو أسلوب حياة يجب أن يتبعه المسلم في كل الظروف. إن الصبر على الأذى و الثبات في مواجهة التحديات كانا السر وراء بقاء الدعوة الإسلامية وانتشارها على مر العصور.